للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالُوا: إِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَزَلَ مُعَاوِيَةَ بْنَ حُدَيْجٍ عَنْ إِفْرِيقِيَّةَ حَسْبُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا عُقْبَةَ بْنَ نَافِعٍ الْفِهْرِيَّ، وَكَانَ مُقِيمًا بِبَرْقَةَ وَزُوَيْلَةَ مُذْ فَتَحَهَا أَيَّامَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَلَهُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ جِهَادٌ وَفُتُوحٌ، فَلَمَّا اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ سَيَّرَ إِلَيْهِ عَشَرَةَ آلَافِ فَارِسٍ، فَدَخَلَ إِفْرِيقِيَّةَ وَانْضَافَ إِلَيْهِ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْبَرْبَرِ، فَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَوَضَعَ السَّيْفَ فِي أَهْلِ الْبِلَادِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا دَخَلَ إِلَيْهِمْ أَمِيرٌ أَطَاعُوا وَأَظْهَرَ بَعْضُهُمُ الْإِسْلَامَ، فَإِذَا عَادَ الْأَمِيرُ عَنْهُمْ نَكَثُوا وَارْتَدَّ مَنْ أَسْلَمَ، ثُمَّ رَأَى أَنْ يَتَّخِذَ مَدِينَةً يَكُونُ فِيهَا عَسْكَرُ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالُهُمْ لِيَأْمَنُوا مِنْ ثَوْرَةٍ تَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ، فَقَصَدَ مَوْضِعَ الْقَيْرَوَانِ، وَكَانَ أَجَمَةً مُشْتَبِكَةً بِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ (مِنَ السِّبَاعِ) وَالْحَيَّاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَدَعَا اللَّهَ، وَكَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، ثُمَّ نَادَى: أَيَّتُهَا الْحَيَّاتُ وَالسِّبَاعُ إِنَّا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ارْحَلُوا عَنَّا فَإِنَّا نَازِلُونَ وَمَنْ وَجَدْنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَتَلْنَاهُ. فَنَظَرَ النَّاسُ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى الدَّوَابِّ تَحْمِلُ أَوْلَادَهَا وَتَنْتَقِلُ، فَرَآهُ قَبِيلٌ كَثِيرٌ مِنَ الْبَرْبَرِ فَأَسْلَمُوا، وَقَطَعَ الْأَشْجَارَ وَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَدِينَةِ، فَبُنِيَتْ، وَبَنَى الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ، وَبَنَى النَّاسُ مَسَاجِدَهُمْ وَمَسَاكِنَهُمْ، وَكَانَ دُورُهَا ثَلَاثَةَ آلَافِ بَاعٍ وَسِتَّمِائَةِ بَاعٍ، وَتَمَّ أَمْرُهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَسَكَنَهَا النَّاسُ، وَكَانَ فِي أَثْنَاءِ عِمَارَةِ الْمَدِينَةِ يَغْزُو وَيُرْسِلُ السَّرَايَا، فَتُغِيرُ وَتَنْهَبُ، وَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْبَرْبَرِ فِي الْإِسْلَامِ، وَاتَّسَعَتْ خُطَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَقَوِيَ جَنَانُ مَنْ هُنَاكَ مِنَ الْجُنُودِ بِمَدِينَةِ الْقَيْرَوَانِ وَأَمِنُوا وَاطْمَأَنُّوا عَلَى الْمُقَامِ فَثَبَتَ الْإِسْلَامُ فِيهَا.

ذِكْرُ وِلَايَةِ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ إِفْرِيقِيَّةَ ثُمَّ إِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ اسْتَعْمَلَ عَلَى مِصْرَ وَإِفْرِيقِيَّةَ مَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ الْأَنْصَارِيَّ، فَاسْتَعْمَلَ مَسْلَمَةُ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْمُهَاجِرِ، فَقَدِمَ إِفْرِيقِيَّةَ وَأَسَاءَ عَزْلَ عُقْبَةَ وَاسْتَخَفَّ بِهِ، وَسَارَ عُقْبَةُ إِلَى الشَّامِ وَعَاتَبَ مُعَاوِيَةَ عَلَى مَا فَعَلَهُ بِهِ أَبُو الْمُهَاجِرِ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ وَوَعَدَهُ بِإِعَادَتِهِ إِلَى عَمَلِهِ، وَتَمَادَى الْأَمْرُ فَتُوُفِّيَ مُعَاوِيَةُ وَتَوَلَّى بَعْدَهُ ابْنُهُ يَزِيدُ، فَاسْتَعْمَلَ عُقْبَةَ بْنَ نَافِعٍ عَلَى الْبِلَادِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ، فَسَارَ إِلَيْهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ نَافِعٍ وَلِيَ إِفْرِيقِيَّةَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَاخْتَطَّ الْقَيْرَوَانَ، وَلَمْ يَزَلْ عُقْبَةُ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ، فَعَزَلَهُ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>