وَاسْتَعْمِلْ أَبَا الْمُهَاجِرِ مَوْلَى الْأَنْصَارِ، فَحَبَسَ عُقْبَةَ وَضَيَّقَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ مَا فُعِلَ بِعُقْبَةَ كَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِإِطْلَاقِهِ وَإِرْسَالِهِ إِلَيْهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَوَصَلَ عُقْبَةُ إِلَى يَزِيدَ فَأَعَادَهُ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَالِيًا عَلَيْهَا، فَقَبَضَ عَلَى أَبِي الْمُهَاجِرِ وَأَوْثَقَهُ، وَسَاقَ مِنْ خَبَرِ كُسَيْلَةَ مِثْلَ مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ.
ذِكْرُ هَرَبِ الْفَرَزْدَقِ مِنْ زِيَادٍ
وَفِيهَا طَلَبَ زِيَادٌ الْفَرَزْدَقَ، اسْتَعْدَتْهُ عَلَيْهِ بَنُو نَهْشَلٍ وَفُقَيْمٍ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
هَاجَيْتُ الْأَشْهَبَ بْنَ رُمَيْلَةَ وَالْبَعِيثَ فَسَقَطَا، فَاسْتَعْدَى عَلَيَّ بَنُو نَهْشَلٍ وَبَنُو فُقَيْمٍ زِيَادَ بْنَ أَبِيهِ، وَاسْتَعْدَى عَلَيَّ أَيْضًا يَزِيدُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَلَمْ يَعْرِفْنِي زِيَادٌ حَتَّى قِيلَ لَهُ الْغُلَامُ الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي أَنْهَبَ مَالَهُ وَثِيَابَهُ، فَعَرَفَنِي.
قَالَ الْفَرَزْدَقُ: وَكَانَ أَبِي غَالِبٌ قَدْ أَرْسَلَنِي فِي جَلَبٍ لَهُ أَبِيعُهُ وَأَمْتَارُ لَهُ، فَبِعْتُ الْجَلَبَ بِالْبَصْرَةِ وَجَعَلْتُ ثَمَنَهُ فِي ثَوْبِي، فَعَرَضَ لِي رَجُلٌ فَقَالَ: لَشَدٌّ مَا تَسْتَوْثِقُ مِنْهَا، أَمَا لَوْ كَانَ مَكَانَكَ رَجُلٌ أَعْرِفُهُ مَا صَرَّ عَلَيْهَا. فَقُلْتُ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: غَالِبُ بْنُ صَعْصَعَةَ وَهُوَ أَبُو الْفَرَزْدَقِ. فَدَعَوْتُ أَهْلَ الْمِرْبَدِ وَنَثَرْتُهَا. فَقَالَ لِي قَائِلٌ أَلْقِ رِدَاءَكَ. فَفَعَلْتُ. فَقَالَ آخَرُ: أَلْقِ ثَوْبَكَ. فَفَعَلْتُ. وَقَالَ آخَرُ أَلْقِ عِمَامَتَكَ. فَفَعَلْتُ. فَقَالَ آخَرُ: أَلْقِ إِزَارَكُ. فَقُلْتُ: لَا أُلْقِيهِ وَأَمْشِي مُجَرَّدًا، إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ. وَبَلَغَ الْخَبَرُ زِيَادًا فَقَالَ: هَذَا أَحْمَقٌ يُضْرِي النَّاسَ بِالنَّهْبِ، فَأَرْسَلَ خَيْلًا إِلَى الْمِرْبَدِ لِيَأْتُوهُ بِي، فَأَتَانِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْهُجَيْمِ عَلَى فَرَسٍ لَهُ وَقَالَ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ! وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، وَنَجَوْتُ، فَأَخَذَ زِيَادٌ عَمَّيْنِ لِي: ذُهَيْلًا وَالزَّحَّافَ ابْنَيْ صَعْصَعَةَ، وَكَانَا فِي الدِّيوَانِ، فَحَبَسَهُمَا أَيَّامًا ثُمَّ كُلِّمَ فِيهِمَا فَأَطْلَقَهُمَا، وَأَتَيْتُ أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَحَقَدَهَا عَلَيْهِ زِيَادٌ.
ثُمَّ وَفَدَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَجَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ السَّعْدِيَّانِ وَالْجَوْنُ بْنُ قَتَادَةَ الْعَبْشَمِيُّ وَالْحُتَاتُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو مُنَازِلٍ الْمُجَاشِعِيُّ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute