فَخَرَجَا إِلَيْهِ، فَأَمَّا عَمْرٌو فَكَانَ قَدِ اسْتَسْقَى بَطْنَهُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ امْتِنَاعٌ، وَأَمَّا رِفَاعَةٌ فَكَانَ شَابًّا قَوِيًّا فَرَكِبَ فَرَسَهُ لِيُقَاتِلَ عَنْ عَمْرٍو، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: مَا يَنْفَعُنِي قِتَالُكَ عَنِّي؟ انْجُ بِنَفْسِكَ! فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَأَفْرَجُوا لَهُ، فَنَجَا، وَأُخِذَ عَمْرٌو أَسِيرًا، فَسَأَلُوهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مَنْ إِنْ تَرَكْتُمُوهُ كَانَ أَسْلَمَ لَكُمْ، وَإِنْ قَتَلْتُمُوهُ كَانَ أَضَرَّ عَلَيْكُمْ، وَلَمْ يُخْبِرْهُمْ. فَبَعَثُوهُ إِلَى عَامِلِ الْمَوْصِلِ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الثَّقَفِيُّ الَّذِي يُعْرَفُ بِابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِ مُعَاوِيَةَ، فَعَرَفَهُ فَكَتَبَ فِيهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ طَعَنَ عُثْمَانَ تِسْعَ طَعَنَاتٍ بِمَشَاقِصَ مَعَهُ، فَاطْعَنْهُ كَمَا طَعَنَ عُثْمَانَ:
فَأُخْرِجَ وَطُعِنَ، فَمَاتَ فِي الْأُولَى مِنْهُنَّ أَوِ الثَّانِيَةِ.
وَجَدَّ زِيَادٌ فِي طَلَبِ أَصْحَابِ حُجْرٍ فَهَرَبُوا، وَأَخَذَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ. فَأُتِيَ بِقَبِيصَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ الْعَبْسِيِّ بِأَمَانٍ فَحَبَسَهُ، وَجَاءَ قَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ الشَّيْبَانِيُّ إِلَى زِيَادٍ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ امْرَأً مِنَّا يُقَالُ لَهُ صَيْفِيٌّ مِنْ رُءُوسِ أَصْحَابِ حُجْرٍ. فَبَعَثَ زِيَادٌ فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي أَبِي تُرَابٍ؟ قَالَ: مَا أَعْرِفُ أَبَا تُرَابٍ:
فَقَالَ: مَا أَعْرَفَكَ بِهِ! أَتَعْرِفُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَذَاكَ أَبُو تُرَابٍ:
قَالَ: كَلَّا، ذَاكَ أَبُو الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ:
فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ: يَقُولُ الْأَمِيرُ هُوَ أَبُو تُرَابٍ وَتَقُولُ لَا! قَالَ: فَإِنْ كَذَبَ الْأَمِيرُ أَكْذِبُ أَنَا، وَأَشْهَدُ عَلَى بَاطِلٍ كَمَا شَهِدَ؟ فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ: وَهَذَا أَيْضًا، عَلَيَّ بِالْعَصَا، فَأُتِيَ بِهَا، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي عَلِيٍّ؟ قَالَ: أَحْسَنَ قَوْلٍ:
قَالَ: اضْرِبُوهُ، حَتَّى لَصِقَ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: أَقْلِعُوا عَنْهُ، مَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ شَرَّحْتَنِي بِالْمَوَاسِي مَا قُلْتُ فِيهِ إِلَّا مَا سَمِعْتَ مِنِّي:
قَالَ: لَتَلْعَنَنَّهُ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ! قَالَ: لَا أَفْعَلُ. فَأَوْثَقُوهُ حَدِيدًا وَحَبَسُوهُ.
قِيلَ: وَعَاشَ قَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ حَتَّى قَاتَلَ مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ فِي مَوَاطِنِهِ. ثُمَّ دَخَلَ الْكُوفَةَ فَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ، فَقَالَ حَوْشَبٌ لِلْحَجَّاجِ: إِنَّ هُنَا امْرَأً صَاحِبَ فِتَنٍ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ بِالْعِرَاقِ إِلَّا وَثَبَ فِيهَا، وَهُوَ تُرَابِيٌّ يَلْعَنُ عُثْمَانَ، وَقَدْ خَرَجَ مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ حَتَّى هَلَكَ، وَقَدْ جَاءَ فَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ بَنُو أَبِيهِ لِآلِ حَوْشَبٍ: سَعَيْتُمْ بِصَاحِبِنَا! فَقَالُوا: وَأَنْتُمْ أَيْضًا سَعَيْتُمْ بِصَاحِبِنَا، يَعْنِي صَيْفِيًّا الشَّيْبَانِيَّ.
وَأَرْسَلَ زِيَادٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ الطَّائِيِّ، فَتَوَارَى، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الشُّرَطُ فَأَخَذُوهُ،