للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحَرْبِ، وَلَا آمَنُ عَلَيْكَ أَنْ يَغُرُّوكَ وَيُكَذِّبُوكَ وَيُخَالِفُوكَ وَيَخْذُلُوكَ وَيَسْتَنْفِرُوا إِلَيْكَ فَيَكُونُوا أَشَدَّ النَّاسِ عَلَيْكَ. فَقَالَ الْحُسَيْنُ: فَإِنِّي أَسْتَخِيرُ اللَّهَ وَأَنْظُرُ مَا يَكُونُ.

فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَتَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَحَدَّثَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا تَرْكُنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ وَكَفُّنَا عَنْهُمْ وَنَحْنُ أَبْنَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَوُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ دُونَهُمْ، خَبِّرْنِي مَا تُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ؟ فَقَالَ الْحُسَيْنُ: لَقَدْ حَدَّثْتُ نَفْسِي بِإِتْيَانِ الْكُوفَةِ، وَلَقَدْ كَتَبَتْ إِلَيَّ شِيعَتِي بِهَا وَأَشْرَافُ النَّاسِ وَأَسْتَخِيرُ اللَّهَ.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَا لَوْ كَانَ لِي بِهَا مِثْلُ شِيعَتِكَ لَمَا عَدَلْتُ عَنْهَا.

ثُمَّ خَشِيَ أَنْ يَتَّهِمَهُ فَقَالَ لَهُ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَقَمْتَ بِالْحِجَازِ ثُمَّ أَرَدْتَ هَذَا الْأَمْرَ هَا هُنَا لَمَا خَالَفْنَا عَلَيْكَ وَسَاعَدْنَاكَ وَبَايَعْنَاكَ وَنَصَحْنَا لَكَ.

فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي أَنَّ لَهَا كَبْشًا بِهِ تُسْتَحَلُّ حُرْمَتُهَا، فَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْكَبْشَ.

قَالَ: فَأَقِمْ إِنْ شِئْتَ وَتُوَلِّينِي أَنَا الْأَمْرَ فَتُطَاعُ وَلَا تُعْصَى.

قَالَ: وَلَا أُرِيدُ هَذَا أَيْضًا

ثُمَّ إِنَّهُمَا أَخْفَيَا كَلَامَهُمَا دُونَنَا، فَالْتَفَتَ الْحُسَيْنُ إِلَى مَنْ هُنَاكَ وَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: لَا نَدْرِي، جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ! قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: أَقِمْ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ أَجْمَعُ لَكَ النَّاسَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: وَاللَّهِ لَئِنْ أُقْتَلْ خَارِجًا مِنْهَا بِشِبْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَ فِيهَا، وَلَأَنْ أُقْتَلَ خَارِجًا مِنْهَا بِشِبْرَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقْتَلَ خَارِجًا مِنْهَا بِشِبْرٍ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ كُنْتُ فِي جُحْرِ هَامَّةٍ مِنْ هَذِهِ الْهَوَامِّ لَاسْتَخْرَجُونِي حَتَّى يَقْضُوا بِي حَاجَتَهُمْ! وَاللَّهِ لَيَعْتَدُنَّ عَلَيَّ كَمَا اعْتَدَتِ الْيَهُودُ فِي السَّبْتِ:

فَقَامَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ.

فَقَالَ الْحُسَيْنُ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْحِجَازِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ النَّاسَ لَا يَعْدِلُونَهُ بِي فَوَدَّ أَنِّي خَرَجْتُ حَتَّى يَخْلُوَ لَهُ.

قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَشِيِّ أَوْ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَمِّ، إِنِّي أَتَصَبَّرُ وَلَا أَصْبِرُ، إِنِّي أَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ فِي هَذَا الْوَجْهِ الْهَلَاكَ وَالِاسْتِئْصَالَ، إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ قَوْمٌ غُدُرٌ فَلَا تَقْرَبَنَّهُمْ، أَقِمْ فِي هَذَا الْبَلَدِ فَإِنَّكَ سَيِّدُ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يُرِيدُونَكَ كَمَا زَعَمُوا فَاكْتُبْ إِلَيْهِمْ فَلْيَنْفُوا عَامِلَهُمْ وَعَدُّوَهُمْ ثُمَّ أَقْدِمْ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أَبَيْتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>