للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَّا أَنْ تَخْرُجَ فَسِرْ إِلَى الْيَمَنِ فَإِنَّ بِهَا حُصُونًا وَشِعَابًا، وَهِيَ أَرْضٌ عَرِيضَةٌ طَوِيلَةٌ، وَلِأَبِيكَ بِهَا شِيعَةٌ، وَأَنْتَ عَنِ النَّاسِ فِي عُزْلَةٍ، فَتَكْتُبُ إِلَى النَّاسِ وَتُرْسِلُ وَتَبُثُّ دُعَاءَكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَأْتِيَكَ عِنْدَ ذَلِكَ الَّذِي تُحِبُّ فِي عَافِيَةٍ.

فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: يَا ابْنَ عَمِّ إِنِّي وَاللَّهِ لَأَعْلَمُ أَنَّكَ نَاصِحٌ مُشْفِقٌ، وَقَدْ أَزْمَعْتُ وَأَجْمَعْتُ الْمَسِيرَ.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنْ كُنْتَ سَائِرًا فَلَا تَسِرْ بِنِسَائِكَ وَصِبْيَتِكَ فَإِنِّي لَخَائِفٌ أَنْ تُقْتَلَ كَمَا قُتِلَ عُثْمَانُ وَنِسَاؤُهُ وَوَلَدُهُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ.

ثُمَّ قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَقَدْ أَقْرَرْتَ عَيْنَ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِخُرُوجِكَ مِنَ الْحِجَازِ وَهُوَ الْيَوْمَ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مَعَكَ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ إِذَا أَخَذْتُ بِشَعْرِكَ وَنَاصِيَتِكَ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَلَيْنَا النَّاسُ أَطَعْتَنِي فَأَقَمْتَ، لَفَعَلْتُ ذَلِكَ.

ثُمَّ خَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ عِنْدِهِ فَمَرَّ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: قَرَّتْ عَيْنُكَ يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ! ثُمَّ أَنْشَدَ قَائِلًا:

يَا لَكَ مِنْ قُبَّرَةٍ بِمَعْمَرِ ... خَلَا لَكِ الْجَوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي

وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي

هَذَا الْحُسَيْنُ يَخْرُجُ إِلَى الْعِرَاقِ وَيُخَلِّيكَ وَالْحِجَازَ.

قِيلَ: وَكَانَ الْحُسَيْنُ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا يَدَعُونَنِي حَتَّى يَسْتَخْرِجُوا هَذِهِ الْعَلَقَةَ مِنْ جَوْفِي، فَإِذَا فَعَلُوا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَنْ يُذِلُّهُمْ حَتَّى يَكُونُوا أَذَلَّ مَنْ فَرْمِ الْمَرْأَةِ.

قَالَ: وَالْفَرْمُ خِرْقَةٌ تَجْعَلُهَا الْمَرْأَةُ فِي قُبُلِهَا إِذَا حَاضَتْ.

ثُمَّ خَرَجَ الْحُسَيْنُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَاعْتَرَضَهُ رُسُلُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْحِجَازِ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَعَ أَخِيهِ يَحْيَى، يَمْنَعُونَهُ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ وَمَضَى، وَتَضَارَبُوا بِالسِّيَاطِ، وَامْتَنَعَ الْحُسَيْنُ وَأَصْحَابُهُ وَسَارُوا فَمَرُّوا بِالتَّنْعِيمِ، فَرَأَى بِهَا عِيرًا قَدْ أَقْبَلَتْ مِنَ الْيَمَنِ بَعَثَ بِهَا بَحِيرُ بْنُ رَيْسَانَ مِنَ الْيَمَنِ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ عَامِلَهُ عَلَى الْيَمَنِ، وَعَلَى الْعِيرِ الْوَرْسُ وَالْحُلَلُ، فَأَخَذَهَا الْحُسَيْنُ وَقَالَ لِأَصْحَابِ الْإِبِلِ: مَنْ أَحَبَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>