مِنْكُمْ أَنْ يَمْضِيَ مَعَنَا إِلَى الْعِرَاقِ أَوْفَيْنَا كِرَاءَهُ وَأَحْسَنَّا صُحْبَتَهُ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُفَارِقَنَا مِنْ مَكَانِنَا أَعْطَيْنَاهُ نَصِيبَهُ مِنَ الْكِرَاءِ، فَمَنْ فَارَقَ مِنْهُمْ أَعْطَاهُ حَقَّهُ، وَمَنْ سَارَ مَعَهُ أَعْطَاهُ كِرَاءَهُ وَكَسَاهُ.
ثُمَّ سَارَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الصِّفَاحِ لَقِيَهُ الْفَرَزْدَقُ الشَّاعِرُ فَقَالَ لَهُ:
أَعْطَاكَ اللَّهُ سُؤْلَكَ وَأَمَلَكَ فِيمَا تُحِبُّ.
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنِ: بَيِّنْ لِي خَبَرَ النَّاسِ خَلْفَكَ.
قَالَ: الْخَبِيرَ سَأَلْتَ، قُلُوبُ النَّاسِ مَعَكَ، وَسُيُوفُهُمْ مَعَ بَنِي أُمَيَّةَ، وَالْقَضَاءُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَاللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. فَقَالَ الْحُسَيْنُ: صَدَقْتَ، لِلَّهِ الْأَمْرُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَكُلَّ يَوْمٍ رَبُّنَا فِي شَأْنٍ، إِنْ نَزَلَ الْقَضَاءُ بِمَا نُحِبُّ فَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى نَعْمَائِهِ وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ عَلَى أَدَاءِ الشُّكْرِ، وَإِنْ حَالَ الْقَضَاءُ دُونَ الرَّجَاءِ فَلَمْ يَعْتَدِ مَنْ كَانَ الْحَقُّ نِيَّتَهُ، وَالتَّقْوَى سَرِيرَتَهُ.
قَالَ: وَأَدْرَكَ الْحُسَيْنَ كِتَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ مَعَ ابْنَيْهِ عَوْنٍ وَمُحَمَّدٍ، وَفِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ لَمَا انْصَرَفْتَ حِينَ تَقْرَأُ كِتَابِي هَذَا، فَإِنِّي مُشْفِقٌ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَلَاكُكَ وَاسْتِئْصَالُ أَهْلِ بَيْتِكَ، إِنْ هَلَكْتَ الْيَوْمَ طُفِئَ نُورُ الْأَرْضِ، فَإِنَّكَ عَلَمُ الْمُهْتَدِينَ وَرَجَاءُ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا تَعْجَلْ بِالسَّيْرِ فَإِنِّي فِي إِثْرِ كِتَابِي، وَالسَّلَامُ.
وَقِيلَ: وَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ لِلْحُسَيْنِ كِتَابًا تَجْعَلُ لَهُ الْأَمَانَ فِيهِ وَتُمَنِّيهِ فِيهِ الْبِرَّ وَالصِّلَةَ وَاسْأَلْهُ الرُّجُوعَ.
وَكَانَ عَمْرٌو عَامِلَ يَزِيدَ عَلَى مَكَّةَ، فَفَعَلَ عَمْرٌو ذَلِكَ وَأَرْسَلَ الْكِتَابَ مَعَ أَخِيهِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَمَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَلَحِقَاهُ وَقَرَآ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَجَهِدَا أَنْ يَرْجِعَ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ مِمَّا اعْتَذَرَ بِهِ إِلَيْهِمَا أَنْ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رُؤْيَا رَأَيْتُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمِرْتُ فِيهَا بِأَمْرٍ أَنَا مَاضٍ لَهُ، عَلَيَّ كَانَ أَوْ لِي.
فَقَالَا: مَا تِلْكَ الرُّؤْيَا؟ قَالَ: مَا حَدَّثْتُ بِهَا أَحَدًا وَمَا أَنَا مُحَدِّثٌ بِهَا أَحَدًا حَتَّى أَلْقَى رَبِّي.
وَلَمَّا بَلَغَ ابْنَ زِيَادٍ مَسِيرُ الْحُسَيْنِ مِنْ مَكَّةَ بَعَثَ الْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ التَّمِيمِيَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute