للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ عَزْلِ بُكَيْرٍ عَنْ خُرَاسَانَ، وَوِلَايَةِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بُكَيْرَ بْنَ وَسَّاجٍ عَنْ خُرَاسَانَ، وَوَلَّاهَا أُمَيَّةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ، وَكَانَتْ وِلَايَةُ بُكَيْرٍ سَنَتَيْنِ.

وَكَانَ سَبَبُ عَزْلِهِ أَنَّ تَمِيمًا اخْتَلَفَتْ بِهَا، فَصَارَتْ مُقَاعِسُ وَالْبُطُونُ يَتَعَصَّبُونَ لِبَحِيرٍ، وَيَطْلُبُونَ بُكَيْرًا، وَصَارَتْ عَوْفٌ وَالْأَبْنَاءُ يَتَعَصَّبُونَ لِبُكَيْرٍ، وَكُلُّ هَذِهِ بُطُونٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَخَافَ أَهْلُ خُرَاسَانَ أَنْ تَعُودَ الْحَرْبُ وَتَفْسَدَ الْبِلَادُ وَيَقْهَرَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَكَتَبُوا إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِذَلِكَ، وَأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا عَلَى رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَا يَحْسُدُونَهُ وَلَا يَتَعَصَّبُونَ عَلَيْهِ، فَاسْتَشَارَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِيمَنْ يُوَلِّيهِ، فَقَالَ أُمَيَّةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، تَدَارَكْهُمْ بِرَجُلٍ مِنْكَ. قَالَ: لَوْلَا انْهِزَامُكَ عَنْ أَبِي فُدَيْكٍ كُنْتَ لَهَا. قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ مَا انْهَزَمْتُ حَتَّى خَذَلَنِيَ النَّاسُ، وَلَمْ أَجِدْ مُقَاتِلًا، فَرَأَيْتُ أَنَّ انْحِيَازِي إِلَى فِئَةٍ أَفْضَلُ مِنْ تَعْرِيضِي عُصْبَةً بَقِيَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلْهَلَكَةِ، وَقَدْ كَتَبَ إِلَيْكَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِعُذْرِي، وَقَدْ عَلِمَ النَّاسُ ذَلِكَ. فَوَلَّاهُ خُرَاسَانَ. وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ يُحِبُّهُ، فَقَالَ النَّاسُ: مَا رَأَيْنَا أَحَدًا عُوِّضَ مِنْ هَزِيمَةٍ مَا عُوِّضَ أُمَيَّةُ.

فَلَمَّا سَمِعَ بُكَيْرٌ بِمَسِيرِهِ أَرْسَلَ إِلَى بَحِيرٍ وَهُوَ فِي حَبْسِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي مَقْتَلِ ابْنِ خَازِمٍ، يَطْلُبُ مِنْهُ الصُّلْحَ، فَامْتَنَعَ بَحِيرٌ وَقَالَ: ظَنَّ بُكَيْرٌ أَنَّ خُرَاسَانَ تَبْقَى لَهُ فِي الْجَمَاعَةِ. وَمَشَتِ السُّفَرَاءُ بَيْنَهُمْ، فَأَبَى ذَلِكَ بَحِيرٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ضِرَارُ بْنُ حُصَيْنٍ الضَّبِّيُّ فَقَالَ: أَرَاكَ أَحْمَقَ! يُرْسِلُ إِلَيْكَ ابْنُ عَمِّكَ يَعْتَذِرُ إِلَيْكَ، وَأَنْتَ أَسِيرُهُ وَالسَّيْفُ بِيَدِهِ، وَلَوْ قَتَلَكَ مَا حَبِقْتَ، فَلَا تَقْبَلُ مِنْهُ؟ ! اقْبَلِ الصُّلْحَ، وَاخْرُجْ وَأَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ. فَقَبِلَ مِنْهُ وَصَالَحَ بُكَيْرًا. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بُكَيْرٌ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَلَّا يُقَاتِلَهُ، وَخَرَجَ بَحِيرٌ فَأَقَامَ يَسْأَلُ عَنْ مَسِيرِ أُمَيَّةَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُ قَدْ قَارَبَ نَيْسَابُورَ سَارَ إِلَيْهِ وَلَقِيَهُ بِهَا، فَأَخْبَرَهُ عَنْ خُرَاسَانَ وَمَا يَحْسُنُ بِهِ طَاعَةُ أَهْلِهَا، وَرَفَعَ عَلَى بُكَيْرٍ أَمْوَالًا أَخَذَهَا، وَحَذَّرَهُ غَدْرَهُ وَسَارَ مَعَهُ حَتَّى قَدِمَ مَرْوَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ كَرِيمًا، وَلَا يَعَرِضُ لِبُكَيْرٍ وَلَا لِعُمَّالِهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ شُرْطَتَهُ فَأَبَى، فَوَلَّاهَا بَحِيرَ بْنَ وَرْقَاءَ، فَلَامَ بُكَيْرًا رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَ: كُنْتُ بِالْأَمْسِ أَمِيرًا تُحْمَلُ الْحِرَابُ بَيْنَ يَدَيَّ، فَأَصِيرُ الْيَوْمَ أَحْمِلُ الْحَرْبَةَ!

ثُمَّ خَيَّرَ أُمَيَّةُ بُكَيْرًا أَنْ يُوَلِّيَهُ مَا شَاءَ مِنْ خُرَاسَانَ، فَاخْتَارَ طَخَارِسْتَانَ، قَالَ: فَتَجَهَّزَ لَهَا، فَأَنْفَقَ مَالًا كَثِيرًا. فَقَالَ بَحِيرٌ لِأُمَيَّةَ: إِنْ أَتَى طَخَارِسْتَانَ خَلَعَكَ. وَحَذَّرَهُ، فَلَمْ يُولِّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>