ذِكْرُ وِلَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَسْلَمَ السِّنْدَ وَقَتْلِهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَعْمَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى السِّنْدِ سَعِيدَ بْنَ أَسْلَمَ بْنِ زُرْعَةَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا الْحَارِثِ الْعِلَاقِيَّانِ فَقَتَلَاهُ، وَغَلَبَا عَلَى الْبِلَادِ، فَأَرْسَلَ الْحَجَّاجُ مُجَّاعَةَ بْنَ سِعْرٍ التَّمِيمِيَّ إِلَى السِّنْدِ، فَغَلَبَ عَلَى ذَلِكَ الثَّغْرِ، وَغَزَا وَفَتَحَ أَمَاكِنَ مِنْ قَنْدَابِيلَ، وَمَاتَ مُجَّاعَةُ بَعْدَ سَنَةٍ بِمُكْرَانَ، فَقِيلَ فِيهِ:
مَا مِنْ مَشَاهِدِكَ الَّتِي شَاهَدْتَهَا ... إِلَّا يَزِيدُكَ ذِكْرُهَا مُجَّاعَا
ذِكْرُ وُثُوبِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِالْحَجَّاجِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ الْحَجَّاجُ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْكُوفَةِ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْبَصْرَةَ خَطَبَهُمْ بِمِثْلِ خُطْبَتِهِ بِالْكُوفَةِ، وَتَوَعَّدَ مَنْ رَآهُ مِنْهُمْ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ وَلَمْ يَلْحَقْ بِالْمُهَلَّبِ، فَأَتَاهُ شَرِيكُ بْنُ عَمْرٍو الْيَشْكُرِيُّ، وَكَانَ بِهِ فَتْقٌ، وَكَانَ أَعْوَرَ يَضَعُ عَلَى عَيْنِهِ قِطْعَةً، فَلُقِّبَ ذَا الْكُرْسُفَةِ، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، إِنَّ بِي فَتْقًا، وَقَدْ رَآهُ بِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ فَعَذَرَنِي، وَهَذَا عَطَائِي مَرْدُودٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ. فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، فَلَمْ يَبْقَ بِالْبَصْرَةِ أَحَدٌ مِنْ عَسْكَرِ الْمُهَلَّبِ إِلَّا لَحِقَ بِهِ. فَقَالَ الْمُهَلَّبُ: لَقَدْ أَتَى الْعِرَاقَ رَجُلٌ ذَكَرٌ. وَتَتَابَعَ النَّاسُ مُزْدَحِمِينَ إِلَيْهِ حَتَّى كَثُرَ جَمْعُهُ.
ثُمَّ سَارَ الْحَجَّاجُ إِلَى رُسْتَقْبَاذَ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُهَلَّبِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَشُدَّ ظَهْرَ الْمُهَلَّبِ وَأَصْحَابِهِ بِمَكَانِهِ، فَقَامَ بِرُسْتَقْبَاذَ خَطِيبًا حِينَ نَزَلَهَا فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمِصْرَيْنِ! هَذَا الْمَكَانُ وَاللَّهِ مَكَانُكُمْ شَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ وَسَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، حَتَّى يُهْلِكَ اللَّهُ عَدُوَّكُمْ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجَ الْمُطِلِّينَ عَلَيْكُمْ. ثُمَّ إِنَّهُ خَطَبَ يَوْمًا فَقَالَ: إِنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي زَادَكُمْ إِيَّاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ إِنَّمَا هِيَ زِيَادَةٌ مُخْسِرَةٌ بَاطِلَةٌ [مِنْ] مُلْحِدٍ فَاسِقٍ مُنَافِقٍ، وَلَسْنَا نُجِيزُهَا! وَكَانَ مُصْعَبٌ قَدْ زَادَ النَّاسَ فِي الْعَطَاءِ مِائَةَ مِائَةٍ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَارُودِ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِزِيَادَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، إِنَّمَا هِيَ زِيَادَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ الْمَلِكِ قَدْ أَنْفَذَهَا وَأَجَازَهَا عَلَى يَدِ أَخِيهِ بِشْرٍ. فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: مَا أَنْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute