بَنِي أَبِيهِ عَلَى اللَّصَفِ، وَعَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ الْفِزْرُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي الصَّلْتِ، وَكَانَ يَنْهَى شَبِيبًا عَنْ رَأْيِهِ، وَكَانَ شَبِيبٌ يَقُولُ: لَئِنْ مَلَكْتُ سَبْعَةَ أَعِنَّةٍ لَأَغْزُوَنَّ الْفِزْرَ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ خَبَرُ شَبِيبٍ رَكِبَ الْفِزْرُ فَرَسًا، وَخَرَجَ مِنْ وَرَاءِ الْبُيُوتِ، وَانْهَزَمَ مِنْهُ الرِّجَالُ، وَرَجَعَ وَقَدْ أَخَافَ أَهْلَ الْبَادِيَةِ، فَأَخَذَ عَلَى الْقُطْقُطَانَةِ، ثُمَّ عَلَى قَصْرِ بَنِي مُقَاتِلٍ، ثُمَّ عَلَى الْحَصَّاصَةِ، ثُمَّ عَلَى الْأَنْبَارِ، وَمَضَى حَتَّى دَخَلَ دَقُوقَاءَ، ثُمَّ ارْتَفَعَ إِلَى أَدَانِي أَذْرَبِيجَانَ.
فَلَمَّا أَبْعَدَ سَارَ الْحَجَّاجُ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْكُوفَةِ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. فَمَا شَعَرَ النَّاسُ إِلَّا وَقَدْ أَتَاهُمْ كِتَابُ دِهْقَانِ بَابِلَ مَهْرُوذَ إِلَى عُرْوَةَ يَذْكُرُ لَهُ أَنَّ بَعْضَ جُبَاةِ الْخَرَاجِ أَخْبَرَهُ أَنْ شَبِيبًا قَدْ نَزَلَ خَانِيجَارَ، وَهُوَ عَلَى قَصْدِ الْكُوفَةِ، فَأَرْسَلَ عُرْوَةُ الْكِتَابَ إِلَى الْحَجَّاجِ بِالْبَصْرَةِ، فَأَقْبَلَ مُجِدًّا نَحْوَ الْكُوفَةِ يُسَابِقُ شَبِيبًا إِلَيْهَا.
ذِكْرُ دُخُولِ شَبِيبٍ الْكُوفَةَ
وَأَقْبَلَ شَبِيبٌ إِلَى قَرْيَةٍ اسْمُهَا حَرْبَى، فَقَالَ: حَرْبٌ يُصْلَى بِهَا عَدُوُّكُمْ. ثُمَّ سَارَ فَنَزَلَ عَقْرَقُوفَ، فَقَالَ لَهُ سُوَيْدُ بْنُ سُلَيْمٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ تَحَوَّلْتَ مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْمَشْئُومَةِ الِاسْمِ. قَالَ: وَقَدْ تَطَيَّرْتَ أَيْضًا! وَاللَّهِ لَا أَسِيرُ إِلَى عَدُوِّي إِلَّا مِنْهَا، إِنَّمَا شُؤْمُهَا عَلَى عَدُوِّنَا، وَالْعَقْرُ لَهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ سَارَ مِنْهَا يُبَادِرُ الْحَجَّاجَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَكَانَتْ كُتُبُ عُرْوَةَ تَرِدُ عَلَيْهِ، أَعْنِي الْحَجَّاجَ، يَحُثُّهُ عَلَى الْعَجَلِ إِلَيْهِمْ، فَطَوَى الْحَجَّاجُ الْمَنَازِلَ، فَنَزَلَهَا الْحَجَّاجُ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَنَزَلَ شَبِيبٌ بِالسَّبْخَةِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، فَأَكَلُوا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبُوا خُيُولَهُمْ، فَدَخَلُوا الْكُوفَةَ وَبَلَغُوا السُّوقَ، وَضَرَبَ شَبِيبٌ بَابَ الْقَصْرِ بِعَمُودِهِ، فَأَثَّرَ فِيهِ أَثَرًا عَظِيمًا، ثُمَّ وَقَفَ عِنْدَ الْمِصْطَبَةِ وَقَالَ:
عَبْدٌ دَعِيٌّ مِنْ ثَمُودٍ أَصْلُهُ ... لَا بَلْ يُقَالُ أَبُو أَبِيهِمْ يَقْدُمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute