الْأَبْوَابَ وَقَاتَلُوهُمْ، وَأَبْلَى ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ بَلَاءً عَظِيمًا، وَظَفِرَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فَلَمْ يَفْلِتْ مِنَ الدَّيْلَمِ أَحَدٌ، وَاشْتَهَرَ اسْمُهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَعُدِ الدَّيْلَمُ بَعْدَهَا يُقْدِمُونَ عَلَى مُفَارَقَةِ أَرْضِهِمْ. فَصَارَ مُحَمَّدٌ فَارِسَ ذَلِكَ الثَّغْرِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَكَانَ يُدْمِنُ شُرْبَ الْخَمْرِ، وَبَقِيَ كَذَلِكَ إِلَى أَيَّامِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأَمَرَ بِتَسْيِيرِهِ إِلَى زُرَارَةَ، وَهِيَ دَارُ الْفُسَّاقِ بِالْكُوفَةِ، فَسُيِّرَ إِلَيْهَا، فَأَغَارَتِ الدَّيْلَمُ وَنَالَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَظَهَرَ الْخَلَلُ بَعْدَهُ، فَكَتَبُوا إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمِيرِ الْكُوفَةِ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمُ ابْنَ أَبِي سَبْرَةَ، فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، فَأَذِنَ لَهُ فِي عَوْدِهِ إِلَى الثَّغْرِ، فَعَادَ إِلَيْهِ وَحَمَاهُ.
وَلِمُحَمَّدٍ أَخٌ يُقَالُ لَهُ خُثَيْمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ اسْمُ أَبِي سَبْرَةَ، وَكَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ.
ذِكْرُ خِلَافِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَلَى الْحَجَّاجِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَالَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُنْدِ الْعِرَاقِ عَلَى الْحَجَّاجِ، وَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ لِحَرْبِهِ، وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ. وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّاجَ لَمَّا بَعَثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدٍ عَلَى الْجَيْشِ إِلَى بِلَادِ رُتْبِيلَ فَدَخَلَهَا وَأَخَذَ مِنْهَا الْغَنَائِمَ وَالْحُصُونَ - كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ يُعَرِّفُهُ ذَلِكَ، وَأَنَّ رَأْيَهُ أَنْ يَتْرُكُوا التَّوَغُّلَ فِي بِلَادِ رُتْبِيلَ حَتَّى يَعْرِفُوا طَرِيقَهَا وَيَجْبُوا خَرَاجَهَا، عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ.
فَلَمَّا أَتَى كِتَابُهُ إِلَى الْحَجَّاجِ كَتَبَ جَوَابَهُ: إِنَّ كِتَابَكَ كِتَابُ امْرِئٍ يُحِبُّ الْهُدْنَةَ وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْمُوَادَعَةِ، قَدْ صَانَعَ عَدُوًّا قَلِيلًا ذَلِيلًا، قَدْ أَصَابُوا [مِنَ] الْمُسْلِمِينَ جُنْدًا كَانَ بَلَاؤُهُمْ حَسَنًا، وَغَنَاؤُهُمْ عَظِيمًا، وَإِنَّكَ حَيْثُ تَكُفُّ عَنْ ذَلِكَ الْعَدُوِّ بِجُنْدِي وَحَدِّي لَسَخِيُّ النَّفْسِ بِمَنْ أُصِيبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَامْضِ لِمَا أَمَرْتُكَ بِهِ مِنَ الْوُغُولِ فِي أَرْضِهِمْ، وَالْهَدْمِ لِحُصُونِهِمْ، وَقَتْلِ مُقَاتِلَتِهِمْ، وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ كِتَابًا آخَرَ بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَمُرْ مَنْ قِبَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَحْرِقُوا وَلِيُقِيمُوا بِهَا، فَإِنَّهَا دَارُهُمُ حَتَّى يَفْتَحَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ ثَالِثًا بِذَلِكَ وَيَقُولُ لَهُ: إِنْ مَضَيْتَ لِمَا أَمَرْتُكَ، وَإِلَّا فَأَخُوكَ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَمِيرُ النَّاسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute