للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثِيَابَ طَبَّاخِهِ، وَخَرَجَ وَقَدْ جَعَلَ لَهُ لِحْيَةً بَيْضَاءَ، فَرَآهُ بَعْضُ الْحَرَسِ فَقَالَ: كَانَتْ هَذِهِ مِشْيَةُ يَزِيدَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ فَرَأَى لِحْيَتَهُ بَيْضَاءَ فِي اللَّيْلِ، فَتَرَكَهُ وَعَادَ، فَخَرَجَ الْمُفَضَّلُ وَلَمْ يُفْطَنْ لَهُ، فَجَاءُوا إِلَى سُفُنٍ مُعَدَّةٍ فَرَكِبُوهَا، يَزِيدُ وَالْمُفَضَّلُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ، وَسَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى أَصْبَحُوا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا عَلِمَ بِهِمُ الْحَرَسُ فَرَفَعُوا خَبَرَهُمْ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَفَزِعَ وَظَنَّ أَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ خُرَاسَانَ لِيَفْتِنُوا بِهَا، فَبَعَثَ الْبَرِيدَ إِلَى قُتَيْبَةَ بِخَبَرِهِمْ وَيَأْمُرُهُ بِالْحَذَرِ.

وَلَمَّا دَنَا يَزِيدُ مِنَ الْبَطَائِحِ اسْتَقْبَلَتْهُ الْخَيْلُ فَخَرَجُوا عَلَيْهَا وَمَعَهُمْ دَلِيلٌ مِنْ كَلْبٍ، فَأَخَذُوا طَرِيقَ الشَّامِ عَلَى طَرِيقِ السَّمَاوَةِ، وَأَتَى الْحَجَّاجُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ أَخَذُوا طَرِيقَ الشَّامِ، فَبَعَثَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ يُعْلِمُهُ.

ثُمَّ سَارَ يَزِيدُ فَقَدِمَ فِلَسْطِينَ، فَنَزَلَ عَلَى وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيِّ، وَكَانَ كَرِيمًا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَجَاءَ وُهَيْبٌ إِلَى سُلَيْمَانَ، فَأَعْلَمَهُ بِحَالِ يَزِيدَ وَإِخْوَتِهِ، وَأَنَّهُمْ قَدِ اسْتَعَاذُوا بِهِ مِنَ الْحَجَّاجِ، قَالَ: فَأْتِنِي بِهِمْ فَهُمْ آمِنُونَ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا وَأَنَا حَيٌّ. فَجَاءَ بِهِمْ إِلَيْهِ، وَكَانُوا فِي مَكَانٍ آمِنٍ.

وَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى الْوَلِيدِ: إِنَّ آلَ الْمُهَلَّبِ خَانُوا أَمَانَ اللَّهِ وَهَرَبُوا مِنِّي وَلَحِقُوا بِسُلَيْمَانَ. وَكَانَ الْوَلِيدُ قَدْ حَذَّرَهُمْ، وَظَنَّ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ خُرَاسَانَ لِلْفِتْنَةِ بِهَا، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُمْ عِنْدَ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ سَكَنَ بَعْضُ مَا بِهِ، وَطَارَ غَضَبًا لِلْمَالِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ، فَكَتَبَ سُلَيْمَانُ إِلَى الْوَلِيدِ: إِنَّ يَزِيدَ عِنْدِي وَقَدْ آمَنْتُهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ آلَافِ أَلْفٍ، لِأَنَّ الْحَجَّاجَ أَغْرَمَهُ سِتَّةَ آلَافِ أَلْفٍ، فَأَدَّى ثَلَاثَةَ آلَافِ أَلْفٍ، وَالَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ أَنَا أُؤَدِّيهِ. فَكَتَبَ الْوَلِيدُ: وَاللَّهِ لَا أُؤَمِّنُهُ حَتَّى تَبْعَثَ بِهِ إِلَيَّ. فَكَتَبَ: لَئِنْ أَنَا بَعَثْتُ بِهِ إِلَيْكَ لَأَجِيئَنَّ مَعَهُ. فَكَتَبَ الْوَلِيدُ: وَاللَّهِ لَئِنْ جِئْتَنِي لَا أُؤَمِّنُهُ. فَقَالَ يَزِيدُ: أَرْسِلْنِي إِلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ أُوقِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَكَ عَدَوَاةً، وَلَا أَنْ يَتَشَأَّمَ النَّاسُ بِي لَكُمَا، وَاكْتُبْ مَعِي بِأَلْطَفِ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ.

فَأَرْسَلَهُ وَأَرْسَلَ مَعَهُ ابْنَهُ أَيُّوبَ، وَكَانَ الْوَلِيدُ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ مُقَيَّدًا، فَقَالَ سُلَيْمَانُ لِابْنِهِ: إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَادْخُلْ أَنْتَ وَيَزِيدُ فِي سِلْسِلَةٍ، فَفَعَلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا رَأَى الْوَلِيدُ ابْنَ أَخِيهِ فِي سِلْسِلَةٍ قَالَ: لَقَدْ بَلَغْنَا مِنْ سُلَيْمَانَ. وَدَفَعَ أَيُّوبُ كِتَابَ أَبِيهِ إِلَى عَمِّهِ وَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَفْسِي فَدَاؤُكَ، لَا تَخْفِرْ ذِمَّةَ أَبِي وَأَنْتَ أَحَقُّ مَنْ مَنَعَهَا، وَلَا تَقْطَعْ مِنَّا رَجَاءَ مَنْ رَجَا السَّلَامَةَ فِي جِوَارِنَا لِمَكَانِنَا مِنْكَ، وَلَا تُذِلَّ مَنْ رَجَا الْعِزَّ فِي الِانْقِطَاعِ إِلَيْنَا لِعِزِّنَا بِكَ.

فَقَرَأَ الْوَلِيدُ كِتَابَ سُلَيْمَانَ، فَإِذَا هُوَ يَسْتَعْطِفُهُ، وَيَشْفَعُ إِلَيْهِ، وَيَضْمَنُ إِيصَالَ الْمَالِ، فَلَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>