أُقْطِعَهَا مَرْوَانُ، ثُمَّ إِنَّهَا صَارَتْ إِلَيَّ، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ مَالِي أَعُودُ مِنْهَا عَلَيَّ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ رَدَدْتُهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَانْقَطَعَتْ ظُهُورُ النَّاسِ وَيَئِسُوا مِنَ الظُّلْمِ.
قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِمَوْلَاهُ مُزَاحِمٍ: إِنَّ أَهْلِي أَقْطَعُونِي مَا لَمْ يَكُنْ إِلَيَّ أَنْ آخُذَهُ، وَلَا لَهُمْ أَنْ يُعْطُونِيهِ، وَإِنِّي قَدْ هَمَمْتُ بِرَدِّهِ عَلَى أَرْبَابِهِ. قَالَ: فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِوَلَدِكَ؟ فَجَرَتْ دُمُوعُهُ وَقَالَ: أَكِلُهُمْ إِلَى اللَّهِ. قَالَ: وَجَدَ لِوَلَدِهِ مَا يَجِدُ النَّاسُ، فَخَرَجَ مُزَاحِمٌ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَزَمَ عَلَى كَذَا وَكَذَا، وَهَذَا أَمْرٌ يَضُرُّكُمْ وَقَدْ نَهَيْتُهُ عَنْهُ. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: بِئْسَ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ أَنْتَ! ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أَبِيهِ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ مُزَاحِمًا أَخْبَرَنِي بِكَذَا وَكَذَا فَمَا رَأْيُكَ؟ قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقُومَ بِهِ الْعَشِيَّةَ. قَالَ: عَجِّلْهُ فَمَا يُؤَمِّنُكَ أَنْ يَحْدُثَ لَكَ حَدَثٌ أَوْ يَحْدُثَ بِقَلْبِكَ حَدَثٌ؟ فَرَفَعَ عُمَرُ يَدَيْهِ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِي مَنْ يُعِينُنِي عَلَى دِينِي! ثُمَّ قَامَ بِهِ مِنْ سَاعَتِهِ فِي النَّاسِ وَرَدَّهَا.
قَالَ: لَمَّا وَلِيَ عُمَرُ الْخِلَافَةَ أَخَذَ مِنْ أَهْلِهِ مَا بِأَيْدِيهِمْ وَسَمَّى ذَلِكَ مَظَالِمَ، فَفَزِعَ بَنُو أُمَيَّةَ إِلَى عَمَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ مَرْوَانَ، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ لَهُ: تَكَلَّمْ أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَحْمَةً وَلَمْ يَبْعَثْهُ عَذَابًا إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، ثُمَّ اخْتَارَ لَهُ مَا عِنْدَهُ، وَتَرَكَ لِلنَّاسِ نَهْرًا شُرْبُهُمْ سَوَاءٌ، ثُمَّ وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ فَتَرَكَ النَّهْرَ عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ وَلِيَ عُمَرُ فَعَمِلَ عَمَلَهُمَا، ثُمَّ لَمْ يَزَلِ النَّهْرُ يَسْتَقِي مِنْهُ يَزِيدُ، وَمَرْوَانُ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُهُ، وَالْوَلِيدُ وَسُلَيْمَانُ ابْنَا عَبْدِ الْمَلِكِ، حَتَّى أَفْضَى الْأَمْرُ إِلَيَّ، وَقَدْ يَبِسَ النَّهْرُ الْأَعْظَمُ، فَلَمْ يَرْوِ أَصْحَابَهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ: حَسْبُكَ، قَدْ أَرَدْتُ كَلَامَكَ، (فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ مَقَالَتُكَ هَذِهِ فَلَا أَذْكُرُ شَيْئًا أَبَدًا. فَرَجَعَتْ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرَتْهُمْ كَلَامَهُ) . وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا قَالَتْ لَهُ: إِنَّ بَنِيَ أُمَيَّةَ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا قَالَ لَهَا هَذَا الْكَلَامَ قَالَتْ لَهُ: إِنَّهُمْ يُحَذِّرُونَكَ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِهِمْ، (فَغَضِبَ وَقَالَ: كُلُّ يَوْمٍ أَخَافُهُ غَيْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا أَمِنْتُ شَرَّهُ. فَرَجَعَتْ إِلَيْهِمْ) فَأَخْبَرَتْهُمْ وَقَالَتْ: أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ هَذَا بِأَنْفُسِكُمْ، تَزَوَّجْتُمْ بِأَوْلَادِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَجَاءَ يُشْبِهُ جَدَّهُ. فَسَكَتُوا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute