قَالَ: وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْخُلَفَاءُ خَمْسَةٌ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَا كَانَ سِوَاهُمْ فَهُمْ مُنْتَزُونَ.
قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مِثْلَهُ، قَالَ: وَكَانَ يَكْتُبُ إِلَى عُمَّالِهِ بِثَلَاثٍ، فَهِيَ تَدُورُ بَيْنَهُمْ: بِإِحْيَاءِ سُنَّةٍ، أَوْ إِطْفَاءِ بِدْعَةٍ، أَوْ قَسْمٍ فِي مَسْكَنَةٍ، أَوْ رَدِّ مَظْلَمَةٍ.
قَالَ: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ تُثْنِي عَلَيْهِ وَتَقُولُ: لَوْ كَانَ بَقِيَ لَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا احْتَجْنَا بِعَهْدِهِ إِلَى أَحَدٍ. قَالَتْ فَاطِمَةُ امْرَأَتُهُ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مُصَلَّاهُ وَدُمُوعُهُ تَجْرِي عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقُلْتُ: أَحَدَثَ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: إِنِّي تَقَلَّدْتُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، فَتَفَكَّرْتُ فِي الْفَقِيرِ الْجَائِعِ، وَالْمَرِيضِ الضَّائِعِ، وَالْغَازِي، وَالْمَظْلُومِ الْمَقْهُورِ، وَالْغَرِيبِ الْأَسِيرِ، وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَذِي الْعِيَالِ الْكَثِيرِ، وَالْمَالِ الْقَلِيلِ، وَأَشْبَاهِهِمْ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، فَعَلِمْتُ أَنَّ رَبِّي سَيَسْأَلُنِي عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ خَصْمِي دُونَهُمْ مُحَمَّدٌ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى اللَّهِ، فَخَشِيتُ أَنْ لَا تَثْبُتَ حُجَّتِي عِنْدَ الْخُصُومَةِ، فَرَحِمْتُ نَفْسِي فَبَكَيْتُ.
قِيلَ: وَلَمَّا مَرِضَ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ مَرَضَ مَوْتِهِ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ أَعْوَانِهِ عَلَى الْعَدْلِ، دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَجِدُنِي فِي الْحَقِّ. قَالَ: يَا بُنَيَّ أَنْ تَكُونَ فِي مِيزَانِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ فِي مِيزَانِكَ. فَقَالَ ابْنُهُ: يَا أَبَتَاهُ لَأَنْ يَكُونَ مَا تُحِبُّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَا أُحِبُّ، فَمَاتَ فِي مَرَضِهِ وَلَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
قِيلَ: وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِأَبِيهِ عُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا أَتَيْتَهُ، وَقَدْ تَرَكْتَ حَقًّا لَمْ تُحْيِهِ وَبَاطِلًا لَمْ تُمِتْهُ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ أَبَاكَ وَأَجْدَادَكَ قَدْ دَعُّوُا النَّاسَ عَنِ الْحَقِّ، فَانْتَهَتِ الْأُمُورُ إِلَيَّ، وَقِيلَ أَقْبَلَ شَرُّهَا وَأَدْبَرَ خَيْرُهَا، وَلَكِنْ أَلَيْسَ حَسَنًا وَجَمِيلًا أَلَّا تَطْلُعَ الشَّمْسُ عَلَيَّ فِي يَوْمٍ إِلَّا أَحْيَيْتُ فِيهِ حَقًّا، وَأَمَتُّ فِيهِ بَاطِلًا، حَتَّى يَأْتِيَنِيَ الْمَوْتُ، فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ؟ وَقَالَ لَهُ أَيْضًا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ انْقَدْ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَإِنْ جَاشَتْ بِي وَبِكَ الْقُدُورُ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنْ بَادَهْتُ النَّاسَ بِمَا تَقُولُ أَحْوَجُونِي إِلَى السَّيْفِ، وَلَا خَيْرَ فِي خَيْرٍ لَا يَحْيَا إِلَّا بِالسَّيْفِ، فَكَرَّرَ ذَلِكَ.
قِيلَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عُمَّالِهِ نُسْخَةً وَاحِدَةً: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute