يُقِيدَهُ مِنْهُ، فَكَتَبَ يَزِيدُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الضَّحَّاكِ كِتَابًا: أَمَّا بَعْدُ فَانْظُرْ فِيمَا ضَرَبَ ابْنُ حَزْمٍ ابْنَ حَيَّانَ، فَإِنْ كَانَ ضَرَبَهُ فِي أَمْرٍ بَيِّنٍ أَوْ أَمْرٍ يُخْتَلَفُ فِيهِ، فَلَا تَلْتَفِتُ إِلَيْهِ.
فَأَرْسَلَ ابْنُ الضَّحَّاكِ فَأَحْضَرَ ابْنَ حَزْمٍ، وَضَرَبَهُ حَدَّيْنِ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ.
وَعَمَدَ يَزِيدُ إِلَى كُلِّ مَا صَنَعَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِمَّا لَمْ يُوَافِقْ هَوَاهُ، فَرَدَّهُ، وَلَمْ يَخَفْ شَنَاعَةً عَاجِلَةً، وَلَا إِثْمًا عَاجِلًا، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ أَخَا الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ كَانَ عَلَى الْيَمَنِ، فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ خَرَاجًا مُجَدَّدًا، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ بِأَمْرِهِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ، وَتَرْكِ مَا جَدَّدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، وَقَالَ: لَأَنْ يَأْتِيَنِي مِنَ الْيَمَنِ حِصَّةُ ذُرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ تَقْرِيرِ هَذِهِ الْوَضِيعَةِ، فَلَمَّا وَلِيَ يَزِيدُ بَعْدَ عُمَرَ أَمَرَ بَرَدِهَا، وَقَالَ لِعَامِلِهِ: خُذْهَا مِنْهُمْ وَلَوْ صَارُوا حَرَضًا، وَالسَّلَامُ.
ذِكْرُ مَقْتَلِ شَوْذَبٍ الْخَارِجِيِّ
قَدْ ذَكَرْنَا خُرُوجَهُ وَمُرَاسَلَتَهُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِمُنَاظَرَتِهِ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ أَحَبَّ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ الْأَمِيرُ عَلَى الْكُوفَةِ، أَنْ يَحْظَى عِنْدَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَكَتَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ يَأْمُرُهُ بِمُنَاجَزَةِ شَوْذَبٍ، وَاسْمُهُ بِسْطَامٌ، وَلَمْ يَرْجِعْ رَسُولَا شَوْذَبٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِ عُمَرَ.
فَلَمَّا رَأَوْا مُحَمَّدًا يَسْتَعِدُّ لِلْحَرْبِ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ شَوْذَبٌ: مَا أَعْجَلَكُمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ! أَلَيْسَ قَدْ تَوَاعَدْنَا إِلَى أَنْ يَرْجِعَ الرَّسُولَانِ؟ فَأَرْسَلَ مُحَمَّدٌ: إِنَّهُ لَا يَسَعُنَا تَرْكُكُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، فَقَالَتِ الْخَوَارِجُ: مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ هَذَا إِلَّا وَقَدْ مَاتَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ.
فَاقْتَتَلُوا فَأُصِيبَ مِنَ الْخَوَارِجِ نَفَرٌ، وَقُتِلَ الْكَثِيرُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَانْهَزَمُوا، وَجُرِحُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ فِي اسْتِهِ، فَدَخْلَ الْكُوفَةَ، وَتَبِعَهُمُ الْخَوَارِجُ حَتَّى بَلَغُوا الْكُوفَةَ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مَكَانِهِمْ.
وَأَقَامَ شَوْذَبٌ يَنْتَظِرُ صَاحِبَيْهِ، فَقَدِمَا عَلَيْهِ وَأَخْبَرَاهُ بِمَوْتِ عُمَرَ، وَوَجَّهَ يَزِيدُ مَنْ عِنْدَ تَمِيمِ بْنِ الْحُبَابِ فِي أَلْفَيْنِ قَدْ أَرْسَلَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ يَزِيدَ لَا يُفَارِقُهُمْ عَلَى مَا فَارَقَهُمْ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَلَعَنُوهُ وَلَعَنُوا يَزِيدَ مَعَهُ وَحَارَبُوهُ، فَقَتَلُوهُ وَقَتَلُوا أَصْحَابَهُ، وَلَجَأَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute