فَوَبَّخَ أَصْحَابَهُ وَقَالَ: مِنْ هَذِهِ الشِّرْذِمَةِ - لَا أَبَ لَكُمْ - تَفِرُّونَ! يَا أَهْلَ الشَّامِ يَوْمًا كَأَيَّامِكُمْ! فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ فَطَحَنُوهُمْ طَحْنًا، وَقَتَلُوا بِسْطَامًا، وَهُوَ شَوْذَبٌ، وَأَصْحَابَهُ.
ذِكْرُ مَوْتِ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَخُو عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ الْجَزِيرَةَ وَأَرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ، وَغَزَا الرُّومَ وَأَهْلَ أَرْمِينِيَّةَ عِدَّةَ دَفَعَاتٍ، وَكَانَ شُجَاعًا قَوِيًّا، وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَحْسُدُهُ لِذَلِكَ، فَلَمَّا انْتَظَمَتِ الْأُمُورُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَظْهَرَ مَا فِي نَفْسِهِ لَهُ، فَتَجَهَّزَ مُحَمَّدٌ لِيَسِيرَ إِلَى أَرْمِينِيَّةَ، فَلَمَّا وَدَّعَ عَبْدَ الْمَلِكِ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ مَسِيرِهِ، فَقَالَ وَأَنْشَدَ:
وَإِنَّكَ لَا تَرَى طَرْدًا لِحُرٍّ ... كَإِلْصَاقٍ بِهِ بَعْضَ الْهَوَانِ
فَلَوْ كُنَّا بِمَنْزِلَةٍ جَمِيعًا ... جَرَيْتُ وَأَنْتَ مُضْطَرِبُ الْعِنَانِ
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتُقِيمَنَّ، فَوَاللَّهِ لَا رَأَيْتَ مِنِّي مَا تَكْرَهُ، وَصَلُحَ لَهُ، وَلَمَّا أَرَادَ الْوَلِيدُ عَزْلَهُ طَلَبَ مَنْ يَسُدُّ مَكَانَهُ، فَلَمْ يُقْدِمْ أَحَدٌ عَلَيْهِ إِلَّا مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ.
ذِكْرُ دُخُولِ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ الْبَصْرَةَ
وَخَلْعِهِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ
قِيلَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ هَرَبَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ مِنْ حَبْسِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ وَبُويِعَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ يَأْمُرُهُمَا بِالتَّحَرُّزِ مِنْ يَزِيدَ وَيُعَرِّفْهُمَا هَرَبَهُ، وَأَمَرَ عَدِيًّا أَنْ يَأْخُذَ مَنْ بِالْبَصْرَةِ مِنْ آلِ الْمُهَلَّبِ، فَأَخَذَهُمْ وَحَبَسَهُمْ، فِيهِمْ: الْمُفَضَّلُ، وَحَبِيبٌ، وَمَرْوَانُ بَنُو الْمُهَلَّبِ، وَأَقْبَلَ يَزِيدُ حَتَّى ارْتَفَعَ عَلَى الْقُطقُطَانَةِ، وَبَعَثَ عَبْدُ الْحَمِيدِ جُنْدًا إِلَيْهِمْ، عَلَيْهِمْ هِشَامُ بْنُ مُسَاحِقٍ الْعَامِرِيُّ، عَامِرُ بَنِي لُؤَيٍّ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا الْعُذَيْبِ، وَمَرَّ يَزِيدُ قَرِيبًا مِنْهُمْ فَلَمْ يُقْدِمُوا عَلَيْهِ.
وَمَضَى يَزِيدُ نَحْوَ الْبَصْرَةِ، وَقَدْ جَمَعَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَخَنْدَقَ عَلَيْهَا، وَبَعَثَ عَلَى خَيْلِ الْبَصْرَةِ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ الثَّقَفِيِّ، وَجَاءَ يَزِيدُ فِي أَصْحَابِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute