قَابِلٌ مِنْكُمَا، وَإِنَّ هَذَا وَأَهْلَ بَيْتِهِ لَمْ يَزَالُوا لَنَا أَعْدَاءً، فَلَا تَسْمَعَا مَقَالَتَهُ. فَلَمْ يَقْبَلَا قَوْلَهُ وَرَجَعَا بِهِ.
وَأَخَذَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِالْكُوفَةِ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ، وَحَمَّالَ بْنَ زَحْرٍ، وَلَمْ يَكُونَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَمْرِ، فَأَوْثَقَهُمَا وَسَيَّرَهُمَا إِلَى الشَّامِ، فَحَبَسَهُمَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمْ يُفَارِقَا السِّجْنَ حَتَّى هَلَكَا فِيهِ، وَأَرْسَلَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى الْكُوفَةِ شَيْئًا عَلَى أَهْلِهَا وَيُمَنِّيهِمُ الزِّيَادَةَ. وَجَهَّزَ أَخَاهُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَابْنَ أَخِيهِ الْعَبَّاسَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي سَبْعِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ، وَقِيلَ: كَانُوا ثَمَانِينَ أَلْفًا، فَسَارُوا إِلَى الْعِرَاقِ. وَكَانَ مَسْلَمَةُ يَعِيبُ الْعَبَّاسَ وَيَذُمُّهُ، فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْعَبَّاسُ:
أَلَا نَفْسِي فِدَاكَ أَبَا سَعِيدٍ ... وَتَقْصُرُ عَنْ مُلَاحَاتِي وَعَذْلِي
فَلَوْلَا أَنَّ أَصْلَكَ حِينَ يُنْمَى ... وَفَرْعَكَ مُنْتَهَى فَرْعِي وَأَصْلِي
وَأَنِّي إِنْ رَمَيْتُكَ هُضْتُ عَظْمِي ... وَنَالَتْنِي إِذَا نَالَتْكَ نَبْلِي
لَقَدْ أَنْكَرْتَنِي إِنْكَارَ خَوْفٍ ... يُقَصِّرُ مِنْكَ عَنْ شَتْمِي وَأَكْلِي
كَقَوْلِ الْمَرْءِ عَمْرٌو فِي الْقَوَافِي ... أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي
قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِلْعَبَّاسِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا تَمَثَّلَ بِهَا.
فَبَلَغَ ذَلِكَ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا، وَقَدِمَا الْكُوفَةَ وَنَزَلَا بِالنُّخَيْلَةِ، فَقَالَ مَسْلَمَةُ: لَيْتَ هَذَا الْمَزُونِيَّ، يَعْنِي ابْنَ الْمُهَلَّبِ، لَا كَلَّفَنَا اتِّبَاعَهُ فِي هَذَا الْبَرْدِ. فَقَالَ حَيَّانُ النَّبَطِيُّ مَوْلًى لِشَيْبَانَ: أَنَا أَضْمَنُ لَكَ أَنَّهُ لَا يَبْرَهُ الْأَرْصَةَ، يُرِيدُ أَضْمَنُ أَنَّهُ لَا يَبْرَحُ الْعَرْصَةَ. فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: لَا أُمَّ لَكَ أَنْتَ بِالنَّبَطِيَّةِ أَبْصَرُ مِنْكَ بِهَذَا! فَقَالَ حَيَّانُ: أَنَبَطَ اللَّهُ وَجْهَكَ أَسْقَرَ أَهَمَرَ لَيْسَ أَلَيْهِ طَابَئُ الْخِلَافَةِ، يُرِيدُ: أَشْقَرَ أَحْمَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ طَابَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute