للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْخِلَافَةِ. قَالَ مَسْلَمَةُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ لَا يَهُولَنَّكَ كَلَامُ الْعَبَّاسِ. فَقَالَ: إِنَّهُ أَهْمَقُ، يُرِيدُ أَحْمَقَ.

وَلَمَّا سَمِعَ أَصْحَابُ بْنُ الْمُهَلَّبِ وُصُولَ مَسْلَمَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ رَاعَهُمْ ذَلِكَ، فَبَلَغَ ابْنَ الْمُهَلَّبِ، فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ أَهْلَ الْعَسْكَرِ وَخَوْفَهُمْ، يَقُولُونَ: جَاءَ أَهْلُ الشَّامِ وَمَسْلَمَةُ، وَمَا أَهْلُ الشَّامِ؟ هَلْ هُمْ إِلَّا تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، سَبْعَةٌ مِنْهَا إِلَيَّ وَسَيْفَانِ عَلَيَّ؟ وَمَا مَسْلَمَةُ إِلَّا جَرَادَةٌ صَفْرَاءُ، أَتَاكُمْ فِي بَرَابِرَةٍ، وَجَرَامِقَةٍ، وَجَرَاجِمَةٍ، وَأَنْبَاطٍ، وَأَبْنَاءِ فَلَّاحِينَ وَأَوْبَاشٍ، وَأَخْلَاطٍ، أَوَلَيْسُوا بَشَرًا يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ، وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ؟ أَعِيرُونِي سَوَاعِدَكُمْ تُصَفِّقُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ وَقَدْ وَلَّوُا الْأَدْبَارَ. وَاسْتَوْسَقُوا أَهْلُ الْبَصْرَةِ لِيَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ، وَبَعَثَ عُمَّالَهُ عَلَى الْأَهْوَازِ وَفَارِسَ وَكَرْمَانَ، وَبَعَثَ إِلَى خُرَاسَانَ مُدْرِكَ بْنَ الْمُهَلَّبِ، وَعَلَيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نُعَيْمٍ، فَقَالَ لِأَهْلِهَا: هَذَا مُدْرِكٌ قَدْ أَتَاكُمْ لِيُلْقِيَ بَيْنَكُمُ الْحَرْبَ وَأَنْتُمْ فِي بِلَادِ عَافِيَةٍ وَطَاعَةٍ، فَسَارَ بَنُو تَمِيمٍ لِيَمْنَعُوهُ، وَبَلَغَ الْأَزْدَ بِخُرَاسَانَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ نَحْوُ أَلْفَيْ فَارِسٍ، فَلَقُوا مُدْرِكًا عَلَى رَأْسِ الْمَفَازَةِ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْنَا، وَقَدْ خَرَجَ أَخُوكَ، فَإِنْ يَظْهَرْ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ لَنَا، وَنَحْنُ أَسْرَعُ النَّاسِ إِلَيْكُمْ وَأَحَقُّهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى، فَمَا لَكَ فِي أَنْ تُغَشِّيَنَا الْبَلَاءَ رَاحَةً. فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ، فَلَمَّا اسْتَجْمَعَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ لِيَزِيدَ خَطْبَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ، وَيَزْعُمُ أَنَّ جِهَادَ أَهْلِ الشَّامِ أَعْظَمُ ثَوَابًا مِنْ جِهَادِ التُّرْكِ وَالدَّيْلَمِ.

وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَسْمَعُ، فَرَفَعَ صَوْتَهُ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْنَاكَ وَالِيًا وَمُولًى عَلَيْكَ، فَمَا يَنْبَغِي لَكَ ذَلِكَ. وَوَثَبَ أَصْحَابُهُ فَأَخَذُوا بِفَمِهِ وَأَجْلَسُوهُ، ثُمَّ خَرَجُوا مِنَ الْمَسْجِدِ وَعَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ النَّضْرُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ: يَا عِبَادَ اللَّهِ مَا تَنْقِمُونَ مِنْ أَنْ تُجِيبُوا إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا ذَلِكَ [وَلَا رَأَيْتُمُوهُ] (مُنْذُ وُلِدْتُمْ إِلَّا هَذِهِ الْأَيَّامَ) [مِنْ إِمَارَةِ] عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَقَالَ الْحَسَنُ: وَالنَّضْرُ أَيْضًا قَدْ شَهِدَ.

وَمَرَّ الْحَسَنُ بِالنَّاسِ وَقَدْ نَصَبُوا الرَّايَاتِ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ يَزِيدَ، وَهُمْ يَقُولُونَ: تَدْعُونَا إِلَى سُنَّةِ الْعُمَرَيْنِ. فَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ يَزِيدُ بِالْأَمْسِ يَضْرِبُ أَعْنَاقَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَرَوْنَ، ثُمَّ يُرْسِلُهَا إِلَى بَنِي مَرْوَانَ يُرِيدُ رِضَاهُمْ، فَلَمَّا غَضِبَ نَصَبَ قَصَبًا، ثُمَّ وَضَعَ عَلَيْهَا خِرَقًا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي قَدْ خَالَفْتُهُمْ فَخَالِفُوهُمْ. قَالَ هَؤُلَاءِ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>