أَعْدُوهُمْ إِلَى سُنَّةِ الْعُمَرَيْنِ، وَإِنَّ مِنْ سُنَّةِ الْعُمَرَيْنِ أَنْ يُوضَعَ فِي رِجْلِهِ قَيْدٌ، ثُمَّ رُدَّ إِلَى مَحْبِسِهِ. فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: لَكَأَنَّكَ رَاضٍ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ؟ فَقَالَ: أَنَا رَاضٍ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ؟ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ وَبَرَّحَهُمْ! أَلَيْسَ هُمُ الَّذِينَ أَحَلُّوا حَرَمَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْتُلُونَ أَهْلَهُ ثَلَاثًا؟ قَدْ أَبَاحُوهَا لِأَنْبَاطِهِمْ وَأَقْبَاطِهِمْ، يَحْمِلُونَ الْحَرَائِرَ ذَوَاتِ الدِّينِ، لَا يَنْتَهُونَ عَنِ انْتِهَاكِ حُرْمَةٍ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى مَالِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، فَهَدَمُوا الْكَعْبَةَ، وَأَوْقَدُوا النِّيرَانَ بَيْنَ أَحْجَارِهَا وَأَسْتَارِهَا، عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَسُوءُ الدَّارِ.
ثُمَّ إِنَّ يَزِيدَ سَارَ مِنَ الْبَصْرَةِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا أَخَاهُ مَرْوَانَ بْنَ الْمُهَلَّبِ، وَأَتَى وَاسِطًا، وَكَانَ قَدِ اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ حِينَ تَوَجَّهَ نَحْوَ وَاسِطَ، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ حَبِيبٌ وَغَيْرُهُ: نَرَى أَنْ نَخْرُجَ وَنَنْزِلَ بِفَارِسَ، فَنَأْخُذَ بِالشِّعَابِ وَالْعِقَابِ، وَنَدْنُو مِنْ خُرَاسَانَ، وَنُطَاوِلُ أَهْلَ الشَّامِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْجِبَالِ يَأْتُونَ إِلَيْكَ، وَفِي يَدِكَ الْقِلَاعُ وَالْحُصُونُ. فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِرَأْيٍ، تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُونِي طَائِرًا عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ. فَقَالَ حَبِيبٌ: إِنَّ الرَّأْيَ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ الْأَمْرِ قَدْ فَاتَ، قَدْ أَمَرْتُكَ حَيْثُ ظَهَرْتَ عَلَى الْبَصْرَةِ أَنْ تُوَجِّهَ خَيْلًا عَلَيْهَا بَعْضُ أَهْلِكَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَإِنَّمَا بِهَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، مَرَرْتَ بِهِ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا فَعَجَزَ عَنْكَ، فَهُوَ عَنْ خَيْلِكَ أَعْجَزُ، فَسَبَقَ إِلَيْهَا أَهْلُ الشَّامِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِهَا يَرَوْنَ رَأْيَكَ، وَلَأَنْ تَلِيَ عَلَيْهِمْ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يَلِيَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الشَّامِ، (فَلَمْ تُطِعْنِي، وَأَنَا أُشِيرُ الْآنَ بِرَأْيٍ، سَرِّحْ مَعَ بَعْضِ أَهْلِكَ خَيْلًا كَثِيرَةً مِنْ خَيْلِكَ، فَتَأْتِيَ الْجَزِيرَةَ وَتُبَادِرَ إِلَيْهَا حَتَّى يَنْزِلُوا حِصْنًا مِنْ حُصُونِهِمْ، وَتَسِيرَ فِي أَثَرِهِمْ، فَإِذَا أَقْبَلَ أَهْلُ الشَّامِ) يُرِيدُونَكَ، لَمْ يَدَعُوَا جُنْدَكَ بِالْجَزِيرَةِ يُقْبِلُونَ إِلَيْكَ فَيُقِيمُونَ عَلَيْهِمْ، فَيَحْبِسُونَهُمْ عَنْكَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ، وَيَأْتِيَكَ مَنْ بِالْمَوْصِلِ مِنْ قَوْمِكَ، وَيَنْفَضَّ إِلَيْكَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ الثُّغُورِ، وَتَقَاتِلُهُمْ فِي أَرْضٍ رَخِيصَةِ السِّعْرِ، وَقَدْ جَعَلْتَ الْعِرَاقَ كُلَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِكَ. قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ أُقَطِّعَ جَيْشِي. فَلَمَّا نَزَلَ وَاسِطًا أَقَامَ بِهَا أَيَّامًا يَسِيرَةً، وَخَرَجَتِ السَّنَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute