وَالنَّاسُ مَعَهُ أَرْبَعَةَ فَرَاسِخَ ثُمَّ رَجَعَ، فَعَاشَ حَيَّانُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَمَاتَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ هَذِهِ السَّنَةَ، وَسَيَرِدُ ذِكْرُهُ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ عَزْلِ مَسْلَمَةَ عَنِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَوِلَايَةِ ابْنِ هُبَيْرَةَ
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَلِيَ الْعِرَاقَ وَخُرَاسَانَ، فَلَمْ يَرْفَعْ مِنَ الْخَرَاجِ شَيْئًا، وَاسْتَحْيَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنْ يَعْزِلَهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: اسْتَخْلِفْ عَلَى عَمَلِكَ وَأَقْبِلْ.
وَقِيلَ إِنَّ مَسْلَمَةَ شَاوَرَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ حَاتِمِ بْنِ النُّعْمَانِ فِي الشُّخُوصِ إِلَى يَزِيدَ لِيَزُورَهُ. قَالَ: أَمِنْ شَوْقٍ إِلَيْهِ؟ إِنَّ عَهْدَكَ مِنْهُ لَقَرِيبٌ. قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: إِذًا لَا تَخْرُجْ مِنْ عَمَلِكَ حَتَّى تَلْقَى الْوَالِيَ عَلَيْهِ. فَسَارَ مَسْلَمَةُ فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْفَزَارِيُّ بِالْعِرَاقِ عَلَى دَوَابِّ الْبَرِيدِ، فَسَأَلَهُ عَنْ مَقْدِمِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَجَّهَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي حِيَازَةِ أَمْوَالِ بَنِي الْمُهَلَّبِ.
فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ أَحْضَرَ مَسْلَمَةُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ حَاتِمٍ، وَأَخْبَرَهُ خَبَرَ ابْنِ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ: قَدْ قُلْتُ لَكَ. قَالَ مَسْلَمَةُ: فَإِنَّهُ جَاءَ لِحِيَازَةِ أَمْوَالِ آلِ الْمُهَلَّبِ. قَالَ: هَذَا أَعْجَبُ مِنَ الْأَوَّلِ، يَكُونُ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَلَى الْجَزِيرَةِ، فَيُعْزَلُ عَنْهَا، وَيُبْعَثُ لِحِيَازَةِ أَمْوَالِ بَنِي الْمُهَلَّبِ، وَلَمْ يُكْتَبْ مَعَهُ إِلَيْكَ كِتَابٌ! فَلَمْ يَلْبَثْ حَتَّى أَتَاهُ عَزْلُ ابْنِ هُبَيْرَةَ عُمَّالَهُ وَالْغِلْظَةُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
رَاحَتْ بِمَسْلَمَةَ الْبِغَالُ عَشِيَّةً ... فَارْعَيْ فَزَارَةُ لَا هَنَاكِ الْمَرْتَعُ
عُزِلَ ابْنُ بِشْرٍ وَابْنُ عَمْرٍو قَبْلَهُ ... وَأَخُو هَرَاةَ لِمِثْلِهَا يَتَوَقَّعُ
يَعْنِي بِابْنِ بِشْرٍ: عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ، وَبِابْنِ عَمْرٍو: مُحَمَّدًا ذَا الشَّامَةِ، وَبِأَخِي هَرَاةَ: سَعِيدَ خُذَيْنَةَ.
(وَأَمَّا ابْتِدَاءُ أَمْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ حَتَّى وَلِيَ الْعِرَاقَ) ، فَإِنَّهُ قَدِمَ مِنَ الْبَادِيَةِ مِنْ بِنِي فَزَارَةَ، فَافْتُرِضَ مَعَ بَعْضِ وُلَاةِ الْحَرْبِ، وَكَانَ يَقُولُ: لَأَرْجُو أَنْ لَا تَنْقَضِيَ الْأَيَّامُ حَتَّى أَلِيَ الْعِرَاقَ. وَسَارَ مَعَ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ الْعُقَيْلِيِّ إِلَى غَزْوِ الرُّومِ، فَأُتِيَ بِفَرَسٍ رَائِعٍ، إِلَّا أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute