لَا يُسْتَطَاعُ رُكُوبُهُ، فَقَالَ: مَنْ رَكِبَهُ فَهُوَ لَهُ، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ وَتَنَحَّى عَنِ الْفَرَسِ، وَأَقْبَلَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِحَيْثُ تَنَالُهُ رِجْلَا الْفَرَسِ إِذَا رَمَحَهُ وَثَبَ فَصَارَ عَلَى سَرْجِهِ، فَأَخَذَ الْفَرَسَ.
فَلَمَّا خَلَعَ مُطَرِّفُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ الْحَجَّاجَ سَارَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ حَارَبُوهُ مِنَ الرَّيِّ، فَلَمَّا الْتَقَى الْعَسْكَرَانِ الْتَحَقَ ابْنُ هُبَيْرَةَ بِمُطَرِّفٍ مُظْهِرًا أَنَّهُ مَعَهُ، فَلَمَّا جَالَ النَّاسُ كَانَ مِمَّنْ قَتَلَهُ وَأَخَذَ رَأْسَهُ، وَقِيلَ قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَأَخَذَ هُوَ رَأْسَهُ، وَأَتَى بِهِ عَدِيًّا، فَأَعْطَاهُ مَالًا، وَأَوْفَدَهُ إِلَى الْحَجَّاجِ بِالرَّأْسِ، فَسَيَّرَهُ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَقْطَعَهُ بِبَرْزَةَ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بِدِمَشْقَ، وَعَادَ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَوَجَّهَهُ إِلَى كَرْدَمِ بْنِ مَرْثَدٍ الْفَزَارِيِّ لِيُخَلِّصَ مِنْهُ مَالًا، فَأَخَذَهُ مِنْهُ وَهَرَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَالَ: أَنَا عَائِذٌ بِاللَّهِ وَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْحَجَّاجِ، فَإِنَّنِي قَتَلْتُ ابْنَ عَمِّهِ مُطَرِّفَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَأَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرَادَ قَتْلِي، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَنْسِبَنِي إِلَى أَمْرٍ يَكُونُ فِيهِ هَلَاكِي. فَقَالَ: أَنْتَ فِي جِوَارِي. فَأَقَامَ عِنْدَهُ، فَكَتَبَ فِيهِ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يَذْكُرُ أَخْذَهُ الْمَالَ وَهَرَبَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَمْسِكْ عَنْهُ.
وَتَزَوَّجَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِنْتًا لِلْحَجَّاجِ، فَكَانَ ابْنُ هُبَيْرَةَ يُهْدِي لَهَا، وَيَبَرَّهَا، وَيُيَسِّرُ عَلَيْهَا، فَكَتَبَتْ إِلَى أَبِيهَا تُثْنِي عَلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ يَأْمُرُهُ أَنْ يُنْزِلَ بِهِ حَاجَاتَهُ، وَعَظُمَ شَأْنُهُ بِالشَّامِ. فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْجَزِيرَةِ، فَلَمَّا وَلِيَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَرَأَى ابْنُ هُبَيْرَةَ تَحَكُّمَ حَبَابَةَ عَلَيْهِ تَابَعَ هَدَايَاهُ إِلَيْهِ وَإِلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَعَمِلَتْ لَهُ فِي وِلَايَةِ الْعِرَاقِ، فَوَلَّاهُ يَزِيدُ.
وَكَانَ ابْنُ هُبَيْرَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَعْقَاعِ بْنِ خُلَيْدٍ الْعَبْسِيِّ تَحَاسَدٌ، فَقَالَ الْقَعْقَاعُ: مَنْ يُطِيقُ ابْنَ هُبَيْرَةَ، حَبَابَةُ بِاللَّيْلِ، وَهَدَايَاهُ بِالنَّهَارِ! فَلَمَّا مَاتَتْ حَبَابَةُ، قَالَ الْقَعْقَاعُ:
هَلُمَّ فَقَدْ مَاتَتْ حَبَابَةُ سَامِنِي ... بِنَفْسِكَ يُقْدِمْكَ الذُّرَى وَالْكَوَاهِلُ
أَغَرَّكَ إِنْ كَانَتْ حَبَابَةُ مَرَّةً تَمِيحُكَ
،
فَانْظُرْ كَيْفَ مَا أَنْتَ فَاعِلُ
فِي أَبْيَاتٍ. وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَعْقَاعِ يَوْمًا كَلَامٌ، فَقَالَ لَهُ الْقَعْقَاعُ: يَابْنَ اللَّخْنَاءِ مَنْ قَدَّمَكَ؟ فَقَالَ: قَدَّمَكَ أَنْتَ وَأَهْلَكَ أَعْجَازُ الْغَوَانِي، وَقَدَّمَنِي صُدُورُ الْعَوَالِي. فَسَكَتَ الْقَعْقَاعُ. يَعْنِي أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ قَدَّمَهُمْ لَمَّا تَزَوَّجَ إِلَيْهِمْ فَإِنَّ أُمَّ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ ابْنَيْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ عَبْسِيَّةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute