للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَسْلَمَةَ فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَقِيلَ: مَنَعَهُ مَسْلَمَةُ عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَرَى النَّاسُ مِنْهُ مَا يَعِيبُونَهُ بِهِ. فَلَمَّا دُفِنَتْ بَقِيَ بَعْدَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَمَاتَ وَدُفِنَ إِلَى جَانِبِهَا، وَقِيلَ: بَقِيَ بَعْدَهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَمَّا مَاتَ صَلَّى عَلَيْهِ أَخُوهُ مَسْلَمَةُ، وَقِيلَ: ابْنُهُ الْوَلِيدُ، وَكَانَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِحِمْصَ.

ذِكْرُ بَعْضِ سِيرَتِهِ

كَانَ يَزِيدُ مِنْ فِتْيَانِهِمْ، فَقَالَ يَوْمًا وَقَدْ طَرِبَ وَعِنْدَهُ حَبَابَةُ وَسَلَّامَةُ الْقَسِّ: دَعُونِي أَطِيرُ. قَالَتْ حَبَابَةُ: عَلَى مَنْ تَدَعُ الْأُمَّةَ؟ قَالَ: عَلَيْكِ، قِيلَ وَغَنَّتْهُ يَوْمًا:

وَبَيْنَ التَّرَاقِي وَاللَّهَاةِ حَرَارَةٌ ... مَا تَطْمَئِنُّ وَمَا تَسُوغُ فَتَبْرُدَا

فَأَهْوَى لِيَطِيرَ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ لَنَا فِيكَ حَاجَةً. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَطِيرَنَّ! فَقَالَتْ: عَلَى مَنْ تُخَلِّفُ الْأُمَّةَ وَالْمُلْكَ؟ قَالَ: عَلَيْكِ وَاللَّهِ! وَقَبَّلَ يَدَهَا، فَخَرَجَ بَعْضُ خَدَمِهِ وَهُوَ يَقُولُ: سَخِنَتْ عَيْنُكَ فَمَا أَسْخَفَكَ!

وَخَرَجَتْ مَعَهُ إِلَى نَاحِيَةِ الْأُرْدُنِّ يَتَنَزَّهَانِ، فَرَمَاهَا بِحَبَّةِ عِنَبٍ، فَدَخَلَتْ حَلْقَهَا، فَشَرِقَتْ وَمَرِضَتْ وَمَاتَتْ، فَتَرَكَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَدْفِنْهَا، حَتَّى أَنْتَنَتْ وَهُوَ يَشُمُّهَا وَيُقَبِلُهَا وَيَنْظُرُ إِلَيْهَا وَيَبْكِي، فَكُلِّمَ فِي أَمْرِهَا حَتَّى أَذِنَ فِي دَفْنِهَا، وَعَادَ إِلَى قَصْرِهِ كَئِيبًا حَزِينًا، وَسَمِعَ جَارِيَةً لَهُ تَتَمَثَّلُ بَعْدَهَا:

كَفَى حَزَنًا بِالْهَائِمِ الصَّبِّ أَنْ يَرَى ... مَنَازِلَ مَنْ يَهْوَى مُعَطَّلَةً قَفْرَا

فَبَكَى، وَبَقِيَ يَزِيدُ بَعْدَ مَوْتِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَا يَظْهَرُ لِلنَّاسِ، أَشَارَ عَلَيْهِ مَسْلَمَةُ بِذَلِكَ، وَخَافَ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ مَا يُسَفِّهُهُ عِنْدَهُمْ.

وَكَانَ يَزِيدُ قَدْ حَجَّ أَيَّامَ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ، فَاشْتَرَى حَبَابَةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>