ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفٍ، فَوَقَرَتْ فِي نَفْسِ هِشَامٍ.
وَقِيلَ: كَانَتْ غَلَّتُهُ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَإِنَّهُ حَفَرَ بِالْعِرَاقِ الْأَنْهَارَ، مِنْهَا نَهْرُ خَالِدٍ، وَبَاجِرَى، وَتَارْمَانَا، وَالْمُبَارَكُ، وَالْجَامِعُ، وَكُورَةُ سَابُورَ، وَالصِّلْحُ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَقُولُ: إِنِّي مَظْلُومٌ، مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ شَيْءٌ إِلَّا هُوَ لِي، يَعْنِي أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ لِبَجِيلَةَ رُبْعَ السَّوَادِ.
وَأَشَارَ عَلَيْهِ الْعُرْيَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ وَبِلَالُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ بِعَرْضِ أَمْلَاكِهِ عَلَى هِشَامٍ، لِيَأْخُذَ مِنْهَا مَا أَرَادَ، وَيَضْمَنَانِ لَهُ الرِّضَا، فَإِنَّهُمَا قَدْ بَلَغَهُمَا تَغَيُّرُ هِشَامٍ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يُجِبْهُمَا إِلَى شَيْءٍ. وَقِيلَ لِهِشَامٍ: إِنَّ خَالِدًا قَالَ لِوَلَدِهِ: مَا أَنْتَ بِدُونِ مَسْلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ!
وَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ آلِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى خَالِدٍ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ، فَكَتَبَ إِلَى هِشَامٍ يَشْكُو خَالِدًا، فَكَتَبَ هِشَامٌ إِلَى خَالِدٍ يَذُمُّهُ وَيَلُومُهُ وَيُوَبِّخُهُ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَمْشِيَ رَاجِلًا إِلَى بَابِهِ وَيَتَرَضَّاهُ، فَقَدْ جَعَلَ عَزْلَهُ وَوِلَايَتَهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ يَذْكُرُ هِشَامًا فَيَقُولُ: ابْنُ الْحَمْقَاءِ، وَكَانَ خَالِدٌ يَخْطُبُ فَيَقُولُ: زَعَمْتُمْ أَنِّي أُغْلِي أَسْعَارَكُمْ، فَعَلَى مَنْ يُغْلِيهَا لَعْنَةُ اللَّهِ!
وَكَانَ هِشَامٌ كَتَبَ إِلَيْهِ أَلَّا تَبِيعَنَّ مِنَ الْغَلَّاتِ شَيْئًا حَتَّى تُبَاعَ غَلَّاتُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَبَلَغَتْ كَيْلَهَا دَرَاهِمَ. وَكَانَ يَقُولُ لِابْنِهِ: كَيْفَ أَنْتَ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟
فَبَلَغَ هَذَا جَمِيعُهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هِشَامًا فَتَنَكَّرَ لَهُ. وَبَلَغَهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَسْتَقِلُّ وِلَايَةَ الْعِرَاقِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ هِشَامٌ: يَابْنَ أُمِّ خَالِدٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ: مَا وِلَايَةُ الْعِرَاقِ لِي بِشَرَفٍ. يَابْنَ اللَّخْنَاءِ، كَيْفَ لَا تَكُونُ إِمْرَةُ الْعِرَاقِ لَكَ شَرَفًا، وَأَنْتَ مِنْ بَجِيلَةَ الْقَلِيلَةِ الذَّلِيلَةِ؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَأْتِيكَ صَغِيرٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَشُدُّ يَدَيْكَ إِلَى عُنُقِكَ.
وَلَمْ يَزَلْ يَبْلُغُهُ عَنْهُ مَا يَكْرَهُ، فَعَزَمَ عَلَى عَزْلِهِ، فَكَتَمَ ذَلِكَ وَكَتَبَ إِلَى يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ، وَهُوَ بِالْيَمَنِ، يَأْمُرُهُ أَنْ يَقْدَمَ فِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْعِرَاقِ فَقَدْ وَلَّاهُ ذَلِكَ، فَسَارَ يُوسُفُ إِلَى الْكُوفَةِ فَعَرَّسَ قَرِيبًا مِنْهَا، وَقَدْ خَتَنَ طَارِقٌ خَلِيفَةُ خَالِدٍ بِالْكُوفَةِ وَلَدَهُ، فَأَهْدَى إِلَيْهِ أَلْفَ وَصِيفٍ وَوَصِيفَةٍ سِوَى الْأَمْوَالِ وَالثِّيَابِ، فَمَرَّ بِيُوسُفَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَسَأَلُوهُ: مَا أَنْتُمْ وَأَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: بَعْضَ الْمَوَاضِعِ. فَأَتَوْا طَارِقًا فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute