للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَرُوهُ بِقَتْلِهِمْ وَقَالُوا: إِنَّهُمْ خَوَارِجُ. فَسَارَ يُوسُفُ إِلَى دُورِ ثَقِيفٍ، فَقِيلَ لَهُمْ: مَا أَنْتُمْ؟ فَكَتَمُوا حَالَهُمْ وَأَمْرَ يُوسُفَ، فَجَمَعَ إِلَيْهِ مَنْ هُنَاكَ مِنْ مُضَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا دَخَلَ الْمَسْجِدَ مَعَ الْفَجْرِ وَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى، وَأَرْسَلَ إِلَى طَارِقٍ وَخَالِدٍ فَأَخَذَهُمَا وَإِنَّ الْقُدُورَ لَتَغْلِي.

وَقِيلَ: لَمَّا أَرَادَ هِشَامٌ أَنْ يُوَلِّيَ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ الْعِرَاقَ كَتَمَ ذَلِكَ، فَقَدِمَ جُنْدُبٌ مَوْلَى يُوسُفَ بِكِتَابِ يُوسُفَ إِلَى هِشَامٍ، فَقَرَأَهُ ثُمَّ قَالَ لِسَالِمِ بْنِ عَنْبَسَةَ وَهُوَ عَلَى الدِّيوَانِ: أَنْ أَجِبْهُ عَنْ لِسَانِكَ وَأْتِنِي بِالْكِتَابِ. وَكَتَبَ هِشَامٌ بِخَطِّهِ كِتَابًا صَغِيرًا إِلَى يُوسُفَ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْعِرَاقِ، فَكَتَبَ سَالِمٌ الْكِتَابَ وَأَتَى بِهِ هِشَامًا، فَجَعَلَ كِتَابَهُ فِي وَسَطِهِ وَخَتَمَهُ، ثُمَّ دَعَا رَسُولَ يُوسُفَ فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ وَمُزِّقَتْ ثِيَابَهُ، وَدَفَعَ الْكِتَابَ إِلَيْهِ فَسَارَ. فَارْتَابَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَلِيفَةَ سَالِمٍ، فَقَالَ: هَذِهِ حِيلَةٌ، وَقَدْ وَلَّى يُوسُفَ الْعِرَاقَ، فَكَتَبَ إِلَى عِيَاضٍ، وَهُوَ نَائِبُ سَالِمٍ بِالْعِرَاقِ: إِنَّ أَهْلَكَ قَدْ بَعَثُوا إِلَيْكَ بِالثَّوْبِ الْيَمَانِيِّ، فَإِذَا أَتَاكَ فَالْبَسْهُ، وَاحَمْدِ اللَّهَ تَعَالَى، (وَأَعْلِمْ ذَلِكَ طَارِقًا) . فَأَعْلَمَ عِيَاضٌ طَارِقَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ بِالْكِتَابِ لَهُ.

ثُمَّ نَدِمَ بَشِيرٌ عَلَى كِتَابِهِ، فَكَتَبَ إِلَى عِيَاضٍ: (إِنَّ أَهْلَكَ قَدْ بَدَا لَهُمْ فِي إِمْسَاكِ) الثَّوْبِ. فَأَتَى عِيَاضٌ) بِالْكِتَابِ الثَّانِي إِلَى طَارِقٍ، فَقَالَ طَارِقٌ: الْخَبَرُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ، وَلَكِنَّ بَشِيرًا نَدِمَ وَخَافَ أَنْ يَظْهَرَ الْخَبَرُ.

وَرَكِبَ طَارِقٌ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى خَالِدٍ وَهُوَ بِوَاسِطٍ، فَرَآهُ دَاوُدُ الْبَرِيدِيُّ، وَكَانَ عَلَى حِجَابَةِ خَالِدٍ وَدِيوَانِهِ، فَأَعْلَمَ خَالِدًا، فَأَذِنَ لَهُ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: مَا أَقْدَمَكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ؟ قَالَ: أَمْرٌ كُنْتُ أَخْطَأْتُ فِيهِ، كُنْتُ قَدْ كَتَبْتُ إِلَى الْأَمِيرِ أُعَزِّيهِ بِأَخِيهِ أَسَدٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَجِبُ أَنْ آتِيَهُ مَاشِيًا. فَرَقَّ خَالِدٌ وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَمَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ لَمَّا غَابَ دَاوُدُ، قَالَ: مَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: تَرْكَبُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَتَعْتَذِرُ إِلَيْهِ مِمَّا بَلَغَهُ عَنْكَ. قَالَ: لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ. قَالَ: فَتُرْسِلُنِي إِلَيْهِ حَتَّى آتِيَكَ بِإِذْنِهِ. قَالَ: وَلَا هَذَا. قَالَ: فَأَذْهَبُ فَأَضْمَنُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعَ مَا انْكَسَرَ فِي هَذِهِ السِّنِينَ وَآتِيكَ بِعَهْدِهِ. قَالَ: وَكَمْ مَبْلَغُهُ؟ قَالَ: مِائَةُ أَلْفِ أَلْفٍ. قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ آخُذُهَا؟ وَاللَّهِ مَا أَجِدُ عَشَرَةَ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ! قَالَ: أَتَحَمَّلُ أَنَا وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ. قَالَ: إِنِّي إِذًا لَلَئِيمٌ إِنْ كُنْتُ أَعْطَيْتُهُمْ شَيْئًا وَأَعُودُ فِيهِ. فَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>