طَارِقٌ: إِنَّمَا نَفْدِيكَ وَنَفْدِي أَنْفُسَنَا بِأَمْوَالِنَا وَتُسْتَأْنَفُ الدُّنْيَا، وَتَبْقَى النِّعْمَةُ عَلَيْكَ وَعَلَيْنَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَجِيءَ مَنْ يُطَالِبُنَا بِالْأَمْوَالِ (وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَيَتَرَبَّصُونَ فَنُقْتَلُ وَيَأْكُلُونَ تِلْكَ الْأَمْوَالَ) . فَأَبَى خَالِدٌ. فَوَدَّعَهُ طَارِقٌ وَبَكَى وَقَالَ: هَذَا آخِرُ مَا نَلْتَقِي فِي الدُّنْيَا. وَمَضَى إِلَى الْكُوفَةِ وَخَرَجَ خَالِدٌ إِلَى الْجَمَّةِ.
وَقَدِمَ رَسُولُ يُوسُفَ عَلَيْهِ الْيَمَنَ فَقَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سَاخِطٌ، وَقَدْ ضَرَبَنِي وَلَمْ يَكْتُبْ جَوَابَ كِتَابِكَ، وَهَذَا كِتَابُ سَالِمٍ صَاحِبِ الدِّيوَانِ.
فَقَرَأَهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى آخِرِهِ قَرَأَ كِتَابَ هِشَامٍ بِخَطِّهِ وَوِلَايَةِ الْعِرَاقِ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَأْخُذَ ابْنَ النَّصْرَانِيَّةِ، يَعْنِي خَالِدًا، وَعُمَّالَهُ وَيُعَذِّبَهُمْ حَتَّى يَشْتَفِيَ. فَأَخَذَ دَلِيلًا وَسَارَ مِنْ يَوْمِهِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْيَمَنِ ابْنَهُ الصَّلْتَ، فَقَدِمَ الْكُوفَةَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَنَزَلَ النَّجَفَ، وَأَرْسَلَ مَوْلَاهُ كَيْسَانَ وَقَالَ: انْطَلِقْ فَأْتِنِي بِطَارِقٍ، فَإِنْ أَقْبَلَ فَاحْمِلْهُ عَلَى إِكَافٍ، وَإِنْ لَمْ يُقْبِلْ فَأْتِ بِهِ سَحْبًا.
فَأَتَى كَيْسَانُ الْحِيرَةَ فَأَخَذَ مَعَهُ عَبْدَ الْمَسِيحِ سَيِّدَ أَهْلِهَا إِلَى طَارِقٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ يُوسُفَ قَدْ قَدِمَ عَلَى الْعِرَاقِ وَهُوَ يَسْتَدْعِيكَ. فَقَالَ طَارِقٌ لَكَيْسَانَ: إِنْ أَرَادَ الْأَمِيرُ الْمَالَ أَعْطَيْتُهُ مَا سَأَلَ. وَأَقْبَلُوا بِهِ إِلَى يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ فَتَوَافَوْا بِالْحِيرَةِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا، يُقَالُ خَمْسُمِائَةِ سَوْطٍ، وَدَخَلَ الْكُوفَةَ، وَأَرْسَلَ عَطَاءَ بْنَ مُقَدِّمٍ إِلَى خَالِدٍ بِالْجَمَّةِ، فَأَتَى الرَّسُولُ حَاجِبَهُ وَقَالَ: اسْتَأْذِنْ [لِي] عَلَى أَبِي الْهَيْثَمِ، فَدَخَلَ عَلَى خَالِدٍ مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ، فَقَالَ خَالِدٌ: مَا لَكَ؟ قَالَ: خَيْرٌ. قَالَ: مَا عِنْدَكَ خَيْرٌ! قَالَ: عَطَاءٌ [قَالَ] : اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى أَبِي الْهَيْثَمِ. فَقَالَ: ايذَنْ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَيْلُ أُمِّهَا سَخْطَةٌ! ثُمَّ أَخَذَهُ فَحَبَسَهُ، وَصَالَحَهُ عَنْهُ أَبَانُ بْنُ الْوَلِيدِ وَأَصْحَابُهُ عَلَى تِسْعَةِ آلَافِ أَلْفٍ، فَقِيلَ لِيُوسُفَ: لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَأَخَذْتَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفٍ، فَنَدِمَ وَقَالَ: قَدْ رَهَنْتُ لِسَانِي مَعَهُ وَلَا آمَنُ وَلَا أَرْجِعُ.
وَأَخْبَرَ أَصْحَابُ خَالِدٍ خَالِدًا فَقَالَ: قَدْ أَخْطَأْتُمْ وَلَا آمَنُ أَنْ يَأْخُذَهَا ثُمَّ يَعُودُ، ارْجِعُوا، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ خَالِدًا لَمْ يَرْضَ، فَقَالَ: قَدْ رَجَعْتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَرْضَى بِمِثْلِهَا وَلَا مِثْلَيْهَا، فَأَخَذَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: أَخَذَ مِائَةَ أَلْفٍ. فَأَرْسَلَ يُوسُفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute