إِلَى بِلَالِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، فَقَبَضَهُ، وَكَانَ قَدِ اتَّخَذَ بِلَالٌ بِالْكُوفَةِ دَارًا لَمْ يَنْزِلْهَا، فَأَحْضَرَهُ يُوسُفُ مُقَيَّدًا فَأَنْزَلَهُ الدَّارَ، ثُمَّ جُعِلَتْ سِجْنًا. وَكَانَ خَالِدٌ يَصِلُ الْهَاشِمِيِّينَ وَيَبَرُّهُمْ، فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لِيَسْتَحْمِيَهُ فَلَمْ يَرَ مِنْهُ مَا يُحِبُّ، فَقَالَ: أَمَّا الصِّلَةُ فَلِلْهَاشِمِيِّينَ، وَلَيْسَ لَنَا مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُ يَلْعَنُ عَلِيًّا، فَبَلَغَتْ خَالِدًا فَقَالَ: إِنْ أَحَبَّ نِلْنَا عُثْمَانَ بِشَيْءٍ.
وَكَانَ خَالِدٌ مَعَ هَذَا يُبَالِغُ فِي سَبِّ عَلِيٍّ، فَقِيلَ: كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ، وَتَقَرُّبًا إِلَى الْقَوْمِ.
وَكَانَتْ وِلَايَةُ خَالِدٍ الْعِرَاقَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ، وَعُزِلَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَلَمَّا وَلِيَ يُوسُفُ الْعِرَاقَ كَانَ الْإِسْلَامُ ذَلِيلًا وَالْحُكْمُ فِيهِ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ نَوْفَلَ فِيهِ:
أَتَانَا وَأَهْلُ الشِّرْكِ أَهْلُ زَكَاتِنَا ... وَحُكَّامُنَا فِيمَا نُسِرُّ وَنَجْهَرُ
فَلَمَّا أَتَانَا يُوسُفُ الْخَيْرِ أَشْرَقَتْ ... لَهُ الْأَرْضُ حَتَّى كُلُّ وَادٍ مُنَوَّرُ
وَحَتَّى رَأَيْنَا الْعَدْلَ فِي النَّاسِ ظَاهِرًا ... وَمَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعُقَيْلِيِّ يَظْهَرُ
فِي أَبْيَاتٍ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ:
أَرَانَا وَالْخَلِيفَةُ إِذْ رَمَانَا ... مَعَ الْإِخْلَاصِ بِالرَّجُلِ الْجَدِيدِ
كَأَهْلِ النَّارِ حِينَ دَعَوْا أُغِيثُوا ... جَمِيعًا بِالْحَمِيمِ وَبِالصَّدِيدِ
وَكَانَ فِي يُوسُفَ أَشْيَاءُ مُتَبَايِنَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ، كَانَ طَوِيلَ الصَّلَاةِ، مُلَازِمًا لِلْمَسْجِدِ، ضَابِطًا لِحَشَمِهِ وَأَهْلِهِ عَنِ النَّاسِ، لَيِّنَ الْكَلَامِ، مُتَوَاضِعًا، حَسَنَ الْمَلَكَةِ، كَثِيرَ التَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ، فَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَلَا يُكَلِّمُ أَحَدًا حَتَّى يُصَلِّيَ الضُّحَى، يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَضَرَّعُ، وَكَانَ بَصِيرًا بِالشِّعْرِ وَالْأَدَبِ، وَكَانَ شَدِيدَ الْعُقُوبَةِ مُسْرِفًا فِي ضَرْبِ الْأَبْشَارِ، فَكَانَ يَأْخُذُ الثَّوْبَ الْجَدِيدَ فَيُمِرُّ ظُفْرَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ طَاقُهُ ضَرَبَ صَاحِبَهُ وَرُبَّمَا قَطَعَ يَدَهُ. وَكَانَ أَحْمَقَ، أُتِيَ يَوْمًا بِثَوْبٍ فَقَالَ لِكَاتِبِهِ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الثَّوْبِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بُيُوتُهُ أَصْغَرَ مِمَّا هِيَ. فَقَالَ لِلْحَائِكِ: صَدَقَ يَابْنَ اللَّخْنَاءِ! فَقَالَ الْحَائِكُ: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَذَا. فَقَالَ لِكَاتِبِهِ: صَدَقَ يَابْنَ اللَّخْنَاءِ. فَقَالَ الْكَاتِبُ: هَذَا يَعْمَلُ فِي السَّنَةِ ثَوْبًا أَوْ ثَوْبَيْنِ، وَأَنَا يَمُرُّ عَلَى يَدَيَّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةُ ثَوْبٍ مِثْلَ هَذَا. فَقَالَ لِلْحَائِكِ: صَدَقَ يَابْنَ اللَّخْنَاءِ! فَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute