يَزَلْ يُكَذِّبُ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً حَتَّى عَدَّ أَبْيَاتَ الثَّوْبِ فَوَجَدَهَا تَنْقُصُ بَيْتًا مِنْ أَحَدِ جَانِبَيِ الثَّوْبِ، فَضَرَبَ الْحَائِكَ مِائَةَ سَوْطٍ.
وَقِيلَ: إِنَّ يُوسُفَ أَرَادَ السَّفَرَ فَدَعَا جَوَارِيَهُ فَقَالَ لِإِحْدَاهُنَّ: تَخْرُجِينَ مَعِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: يَا خَبِيثَةُ كُلُّ هَذَا مِنْ حُبِّ النِّكَاحِ، يَا خَادِمُ اضْرِبْ رَأْسَهَا. وَقَالَ لِأُخْرَى: مَا تَقُولِينَ؟ فَقَالَتْ: أُقِيمُ عَلَى وَلَدِي. فَقَالَ: يَا خَبِيثَةُ أَكُلُّ هَذَا زَهَادَةٌ فِيَّ؟ اضْرِبْ رَأْسَهَا. وَقَالَ لِثَالِثَةٍ: مَا تَقُولِينَ؟ قَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ، إِنْ قُلْتُ مَا قَالَتْ إِحْدَاهُمَا لَمْ آمَنْ عُقُوبَتَكَ. فَقَالَ: يَا لَخْنَاءُ أَوَتُنَاقِضِينَ وَتَحْتَجِّينَ؟ اضْرِبْ رَأْسَهَا. فَضَرَبَ الْجَمِيعَ.
وَكَانَ قَصِيرًا عَظِيمَ اللِّحْيَةِ، وَكَانَ يُحْضِرُ الثَّوْبَ الطَّوِيلَ لِيُفَصِّلَهُ لِيَلْبَسَهُ، فَإِنْ قَالَ الْخَيَّاطُ إِنَّهُ يُفَصِّلُ مِنْهُ ضَرَبَهُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ الْخَيَّاطُ: لَا يَكْفِينَا إِلَّا بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِي التَّفْصِيلِ، سَرَّهُ، فَكَانُوا يُفَصِّلُونَ لَهُ ثِيَابًا طِوَالًا وَيَأْخُذُونَ مَا يَنْبَغِي مِنَ الثَّوْبِ يُوهِمُونَهُ أَنَّ الثَّوْبَ لَمْ يَكْفِهِ فَيَرْضَى بِذَلِكَ. وَلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَشْيَاءُ نَوَادِرُ، مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِكَاتِبٍ لَهُ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: اشْتَكَيْتُ ضِرْسِي، فَدَعَا بِحَجَّامٍ يَقْلَعُهُ وَمَعَهُ ضِرْسٌ آخَرُ.
ذِكْرُ وِلَايَةِ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ الْكِنَانِيِّ خُرَاسَانَ
لَمَّا مَاتَ أَسَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ اسْتَشَارَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ سُلَيْطٍ الْحَنَفِيَّ، وَكَانَ عَالِمًا بِخُرَاسَانَ، فِيمَنْ يُوَلِّيهِ، فَقَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا رَجُلُ خُرَاسَانَ حَزْمًا وَنَجْدَةً فَالْكَرْمَانِيُّ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَقَالَ: مَا اسْمُهُ؟ قَالَ جُدَيْعُ بْنُ عَلِيٍّ. قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، وَتَطَيَّرَ، قَالَ: فَالْمُسِنُّ الْمُجَرِّبُ يَحْيَى بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هُبَيْرَةَ الشَّيْبَانِيُّ. قَالَ: رَبِيعَةُ لَا تُسَدُّ بِهَا الثُّغُورُ.
قَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ: فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ رَبِيعَةَ وَالْيَمَنَ فَأَرْمِيهِ بِمُضَرَ، فَقُلْتُ: عَقِيلُ بْنُ مَعْقِلٍ اللِّيثِيُّ إِنْ غَفَرْتَ هَنَةً. قَالَ: مَا هِيَ؟ قُلْتُ: لَيْسَ بِالْعَفِيفِ. قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ. قُلْتُ: مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْخَرْقَاءِ السُّلَمِيُّ إِنْ غَفَرْتَ نُكْرَهُ فَإِنَّهُ مَشْئُومٌ. قَالَ: غَيْرُهُ. قُلْتُ: فَالْمُجَشِّرُ بْنُ مُزَاحِمٍ السُّلَمِيُّ ; عَاقِلٌ شُجَاعٌ لَهُ رَأْيٌ مَعَ كَذِبٍ فِيهِ. قَالَ: لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ. قُلْتُ: يَحْيَى بْنُ الْحُضَيْنِ. قَالَ: أَلَمْ أُخْبِرْكَ أَنَّ رَبِيعَةَ لَا تُسَدُّ بِهَا الثُّغُورُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ. قَالَ: هُوَ لَهَا. قُلْتُ: إِنْ غَفَرْتَ وَاحِدَةً، فَإِنَّهُ عَفِيفٌ مُجَرِّبٌ عَاقِلٌ. قَالَ: مَا هِيَ؟ قُلْتُ: عَشِيرَتُهُ بِهَا قَلِيلَةٌ. قَالَ لَا أَبَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute