عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى مُؤَدِّبُهُ، وَاتَّخَذَ لَهُ نُدَمَاءَ، فَأَرَادَ هِشَامٌ أَنْ يَقْطَعَهُمْ عَنْهُ فَوَلَّاهُ الْحَجَّ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، فَحَمَلَ مَعَهُ كِلَابًا فِي صَنَادِيقَ وَعَمِلَ قُبَّةً عَلَى قَدْرِ الْكَعْبَةِ لِيَضَعَهَا عَلَى الْكَعْبَةِ، وَحَمَلَ مَعَهُ الْخَمْرَ، وَأَرَادَ أَنْ يَنْصِبَ الْقُبَّةَ عَلَى الْكَعْبَةِ وَيَشْرَبَ فِيهَا الْخَمْرَ، فَخَوَّفَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: لَا نَأْمَنُ النَّاسَ عَلَيْكَ وَعَلَيْنَا مَعَكَ. فَلَمْ يَفْعَلْ.
وَظَهَرَ لِلنَّاسِ مِنْهُ تَهَاوُنٌ بِالدِّينِ وَاسْتِخْفَافٌ، فَطَمِعَ هِشَامٌ فِي الْبَيْعَةِ لِابْنِهِ مَسْلَمَةَ وَخَلْعِ الْوَلِيدِ، وَأَرَادَ الْوَلِيدَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَبَى، فَقَالَ لَهُ: اجْعَلْهُ بَعْدَكَ، فَأَبَى، فَتَنَكَّرَ لَهُ هِشَامٌ وَأَضَرَّ بِهِ وَعَمِلَ سِرًّا فِي الْبَيْعَةِ لِابْنِهِ مَسْلَمَةَ، فَأَجَابَهُ قَوْمٌ، وَكَانَ مِمَّنْ أَجَابَهُ خَالَاهُ مُحَمَّدٌ وَإِبْرَاهِيمُ ابْنَا هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَبَنُو الْقَعْقَاعِ بْنِ خُلَيْدٍ الْعَبْسِيِّ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ خَاصَّتِهِ، فَأَفْرَطَ الْوَلِيدُ فِي الشَّرَابِ وَطَلَبِ اللَّذَّاتِ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ: وَيْحَكَ يَا وَلِيدُ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَعَلَى الْإِسْلَامِ أَنْتَ أَمْ لَا! مَا تَدَعُ شَيْئًا مِنَ الْمُنْكَرِ إِلَّا أَتَيْتَهُ غَيْرَ مُتَحَاشٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ:
يَا أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْ دِينِنَا ... نَحْنُ عَلَى دِينِ أَبِي شَاكِرِ
نَشْرَبُهَا صِرْفًا وَمَمْزُوجَةً ... بِالسُّخْنِ أَحْيَانًا وَبِالْفَاتِرِ
فَغَضِبَ هِشَامٌ عَلَى ابْنِهِ مَسْلَمَةَ، وَكَانَ يُكَنَّى أَبَا شَاكِرٍ، وَقَالَ لَهُ: يُعَيِّرُنِي الْوَلِيدُ بِكَ وَأَنَا أُرَشِّحُكَ لِلْخِلَافَةِ! فَأَلْزَمَهُ الْأَدَبَ وَأَحْضَرَهُ الْجَمَاعَةَ وَوَلَّاهُ الْمَوْسِمَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، فَأَظْهَرَ النُّسُكَ وَاللِّينَ، ثُمَّ إِنَّهُ قَسَّمَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَمْوَالًا، فَقَالَ مَوْلًى لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ:
الْوَاهِبِ الْجُرْدَ بِأَرْسَانِهَا ... لَيْسَ بِزِنْدِيقٍ وَلَا كَافِرِ
يُعَرِّضُ بِالْوَلِيدِ.
وَكَانَ هِشَامٌ يَعِيبُ الْوَلِيدَ وَيَنْتَقِصُهُ وَيُقَصِّرُ بِهِ، فَخَرَجَ الْوَلِيدُ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ خَاصَّتِهِ وَمَوَالِيهِ فَنَزَلَ بِالْأَزْرَقِ عَلَى مَاءٍ لَهُ بِالْأُرْدُنِّ، وَخَلَّفَ كَاتِبَهُ عِيَاضَ بْنَ مُسْلِمٍ عِنْدَ هِشَامٍ لِيُكَاتِبَهُ بِمَا عِنْدَهُمْ، وَقَطَعَ هِشَامٌ عَنِ الْوَلِيدِ مَا كَانَ يُجْرَى عَلَيْهِ، وَكَاتَبَهُ الْوَلِيدُ فَلَمْ يُجِبْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute