للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى رَدِّهِ، وَأَمَرَهُ بِإِخْرَاجِ عَبْدِ الصَّمَدِ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَخْرَجَهُ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِابْنِ سُهَيْلٍ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِ، فَضَرَبَ هِشَامٌ ابْنَ سُهَيْلٍ وَسَيَّرَهُ، وَأَخَذَ عِيَاضَ بْنَ مُسْلِمٍ كَاتِبَ الْوَلِيدِ فَضَرَبَهُ وَحَبَسَهُ، فَقَالَ الْوَلِيدُ: مَنْ يَثِقُ بِالنَّاسِ وَمَنْ يَصْنَعُ الْمَعْرُوفَ! هَذَا الْأَحْوَلُ الْمَشْئُومُ قَدَّمَهُ أَبِي عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَصَيَّرَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ ثُمَّ يَصْنَعُ بِي مَا تَرَوْنَ؟ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لِي فِي أَحَدٍ هَوًى إِلَّا عَبِثَ بِهِ! وَكَتَبَ إِلَى هِشَامٍ فِي ذَلِكَ يُعَاتِبُهُ وَيَسْأَلُهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ كَاتِبَهُ، فَلَمْ يَرُدَّهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ:

رَأَيْتُكَ تَبْنِي دَائِمًا فِي قَطِيعَتِي ... وَلَوْ كُنْتَ ذَا حَزْمٍ لَهَدَّمْتَ مَا تَبْنِي

تُثِيرُ عَلَى الْبَاقِينَ مَجْنَى ضَغِينَةٍ ... فَوَيْلٌ لَهُمْ إِنْ مُتُّ مِنْ شَرِّ مَا تَجْنِي

كَأَنِّي بِهِمْ وَاللَّيْتَ أَفْضَلُ قَوْلِهِمْ ... أَلَا لَيْتَنَا وَاللَّيْتَ إِذْ ذَاكَ لَا يُغْنِي

كَفَرْتَ يَدًا مِنْ مُنْعِمٍ لَوْ شَكَرْتَهَا ... جَزَاكَ بِهَا الرَّحْمَنُ ذُو الْفَضْلِ وَالْمَنِّ

فَلَمْ يَزَلِ الْوَلِيدُ مُقِيمًا فِي تِلْكَ الْبَرِّيَّةِ حَتَّى مَاتَ هِشَامٌ، فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةُ الْيَوْمِ الَّذِي جَاءَتْهُ فِيهِ الْخِلَافَةُ قَالَ لِأَبِي الزُّبَيْرِ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو: مَا أَتَتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ عَقَلْتُ عَقْلِي أَطْوَلُ مِنْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ! عَرَضَتْ لِي هُمُومٌ وَحَدَّثْتُ نَفْسِي فِيهَا بِأُمُورٍ مِنْ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ، يَعْنِي هِشَامًا، قَدْ أُولِعَ بِي، فَارْكَبْ بِنَا نَتَنَفَّسْ. فَرَكِبَا وَسَارَا مِيلَيْنِ، وَوَقَفَ عَلَى كَثِيبٍ فَنَظَرَ إِلَى رَهْجٍ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ رُسُلُ هِشَامٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ خَيْرِهِمْ، إِذْ بَدَا رَجُلَانِ عَلَى الْبَرِيدِ أَحَدُهُمَا مَوْلًى لِأَبِي مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيِّ وَالْآخَرُ جَرْدَبَةُ، فَلَمَّا قَرُبَا نَزَلَا يَعْدُوَانِ حَتَّى دَنَوَا مِنْهُ فَسَلَّمَا عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ، فَوَجَمَ ثُمَّ قَالَ: أَمَاتَ هِشَامٌ؟ قَالَا: نَعَمْ، وَالْكِتَابُ مَعَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>