للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْعَزَاءِ، فَأَتَاهُ الْوَلِيدُ وَهُوَ نَشْوَانُ يَجُرُّ مُطْرَفَ خَزٍّ عَلَيْهِ، فَوَقَفَ عَلَى هِشَامٍ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ عُقْبَى مَنْ بَقِيَ لُحُوقُ مَنْ مَضَى، وَقَدْ أَقْفَرَ بَعْدَ مَسْلَمَةَ الصَّيْدُ لِمَنْ رَمَى، وَاخْتَلَّ الثَّغْرُ فَهَوَى، وَعَلَى أَثَرِ مَنْ سَلَفَ يَمْضِي مَنْ خَلَفَ، {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: ١٩٧] . فَأَعْرَضَ هِشَامٌ وَلَمْ يُحِرْ جَوَابًا، وَسَكَتَ الْقَوْمُ فَلَمْ يَنْطِقُوا.

وَقَدْ نَزَّهَ قَوْمٌ الْوَلِيدَ مِمَّا قِيلَ فِيهِ، وَأَنْكَرُوهُ وَنَفَوْهُ عَنْهُ وَقَالُوا: إِنَّهُ قِيلَ عَنْهُ وَأُلْصِقَ بِهِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: دَخَلَ ابْنٌ لِلْغَمْرِ بْنِ يَزِيدَ أَخِي الْوَلِيدِ عَلَى الرَّشِيدِ، فَقَالَ لَهُ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَ: مِنْ أَيِّهَا؟ فَأَمْسَكَ، فَقَالَ: قُلْ وَأَنْتَ آمِنٌ وَلَوْ أَنَّكَ مَرْوَانُ. فَقَالَ: أَنَا ابْنُ الْغَمْرِ بْنِ يَزِيدَ. فَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ عَمَّكَ الْوَلِيدَ وَلَعَنَ يَزِيدَ النَّاقِصَ، فَإِنَّهُ قَتَلَ خَلِيفَةً مُجْمَعًا عَلَيْهِ! ارْفَعْ حَوَائِجَكَ. فَرَفَعَهَا فَقَضَاهَا.

وَقَالَ شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ الْمَهْدِيِّ فَذَكَرُوا الْوَلِيدَ، فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: كَانَ زِنْدِيقًا، فَقَامَ أَبُو عُلَاثَةَ الْفَقِيهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُوَلِّيَ خِلَافَةَ النُّبُوَّةِ وَأَمْرَ الْأُمَّةِ زِنْدِيقًا، لَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ كَانَ يَشْهَدُهُ فِي مَلَاعِبِهِ وَشُرْبِهِ عَنْهُ بِمُرُوءَةٍ فِي طَهَارَتِهِ وَصَلَاتِهِ، فَكَانَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ يَطْرَحُ الثِّيَابَ الَّتِي عَلَيْهِ الْمَطَايِبُ الْمُصْبَغَةِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، وَيُؤْتَى بِثِيَابٍ نِظَافٍ بِيضٍ فَيَلْبَسُهَا وَيُصَلِّي فِيهَا، فَإِذَا فَرَغَ عَادَ إِلَى تِلْكَ الثِّيَابِ فَلَبِسَهَا وَاشْتَغَلَ بِشُرْبِهِ وَلَهْوِهِ، فَهَذَا فَعَالُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ؟ ! فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عُلَاثَةَ!

ذِكْرُ بَيْعَةِ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ النَّاقِصِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ بُويِعَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ النَّاقِصُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ النَّاقِصُ لِأَنَّهُ نَقَصَ الزِّيَادَةَ الَّتِي كَانَ الْوَلِيدُ زَادَهَا فِي عَطِيَّاتِ النَّاسِ، وَهِيَ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، وَرَدَّ الْعَطَاءَ إِلَى مَا كَانَ أَيَّامَ هِشَامٍ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهُ بِهَذَا الِاسْمِ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ.

وَلَمَّا قُتِلَ الْوَلِيدُ خَطَبَ يَزِيدُ النَّاسَ فَذَمَّهُ وَذَكَرَ إِلْحَادَهُ، وَأَنَّهُ قَتَلَهُ لِفِعْلِهِ الْخَبِيثِ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لَكُمْ عَلَيَّ أَنْ لَا أَضَعَ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ وَلَا لَبِنَةٍ، وَلَا أَكْتَرِيَ نَهْرًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>