يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى سَعِيدٍ وَضِبْعَانَ ابْنَيْ رَوْحٍ، فَوَعَدَهُمَا وَبَذَلَ لَهُمَا الْوِلَايَةَ وَالْمَالَ، فَرَحَلَا فِي أَهْلِ فِلَسْطِينَ وَبَقِيَ أَهْلُ الْأُرْدُنِّ، فَأَرْسَلَ سُلَيْمَانُ خَمْسَةَ آلَافٍ فَنَهَبُوا الْقُرَى وَسَارُوا إِلَى طَبَرِيَّةَ، فَقَالَ أَهْلُ طَبَرِيَّةَ: مَا نُقِيمُ وَالْجُنُودُ تَجُوسُ مَنَازِلَنَا وَتَحْكُمُ فِي أَهَالِينَا، فَانْتَهَبُوا يَزِيدَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَخَذُوا دَوَابَّهُمَا وَسِلَاحَهُمَا وَلَحِقُوا بِمَنَازِلِهِمْ. فَلَمَّا تَفَرَّقَ أَهْلُ فِلَسْطِينَ وَالْأُرْدُنِّ سَارَ سُلَيْمَانُ حَتَّى أَتَى الصِّنَّبْرَةَ، وَأَتَاهُ أَهْلُ الْأُرْدُنِّ فَبَايَعُوا يَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَارَ إِلَى طَبَرِيَّةَ فَصَلَّى بِهِمُ الْجُمْعَةَ، وَبَايَعَ مَنْ بِهَا، وَسَارَ إِلَى الرَّمْلَةِ فَأَخَذَ الْبَيْعَةَ عَلَى مَنْ بِهَا، وَاسْتَعْمَلَ ضِبْعَانَ بْنَ رَوْحٍ عَلَى فِلَسْطِينَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى الْأُرْدُنِّ.
ذِكْرُ عَزْلِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ عَنِ الْعِرَاقِ
وَلَمَّا قُتِلَ الْوَلِيدُ اسْتَعْمَلَ يَزِيدُ عَلَى الْعِرَاقِ مَنْصُورَ بْنَ جُمْهُورٍ، وَكَانَ قَدْ نَدَبَ قَبْلَهُ إِلَى وِلَايَةِ الْعِرَاقِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ مَعِي جُنْدٌ لَقَبِلْتُ. فَتَرَكَهُ وَاسْتَعْمَلَ مَنْصُورًا، وَلَمْ يَكُنْ مَنْصُورٌ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَعَ يَزِيدَ لِرَأْيِهِ فِي الْغَيْلَانِيَّةِ، وَحَمِيَّةً لِقَتْلِ يُوسُفَ خَالِدًا الْقَسْرِيَّ، فَشَهِدَ لِذَلِكَ قَتْلَ الْوَلِيدِ، وَقَالَ لَهُ لَمَّا وَلَّاهُ الْعِرَاقَ: اتَّقِ اللَّهَ وَاعْلَمْ أَنِّي إِنَّمَا قَتَلْتُ الْوَلِيدَ لِفِسْقِهِ وَلِمَا أَظْهَرَ مِنَ الْجَوْرِ، فَلَا تَرْكَبْ مِثْلَ مَا قَتَلْنَاهُ عَلَيْهِ.
وَلَمَّا بَلَغَ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ قَتْلُ الْوَلِيدِ عَمَدَ إِلَى مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الْيَمَانِيَّةِ فَسَجَنَهُمْ، ثُمَّ جَعَلَ يَخْلُو بِالرَّجُلِ بَعْدَ الرَّجُلِ مِنَ الْمُضَرِيَّةِ فَيَقُولُ: مَا عِنْدَكَ إِنِ اضْطَرَبَ الْحَبْلُ؟ فَيَقُولُ الْمُضَرِيُّ: أَنَا رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ الشَّامِ أُبَايِعُ مَنْ بَايَعُوا وَأَفْعَلُ مَا فَعَلُوا. فَلَمْ يَرَ عِنْدَهُمْ مَا يُحِبُّ فَأَطْلَقَ الْيَمَانِيَّةَ.
وَأَقْبَلَ مَنْصُورٌ، فَلَمَّا كَانَ بِعَيْنِ التَّمْرِ كَتَبَ إِلَى مَنْ بِالْحِيرَةِ مِنْ قُوَّادِ أَهْلِ الشَّامِ يُخْبِرُهُمْ بِقَتْلِ الْوَلِيدِ وَتَأْمِيرِهِ عَلَى الْعِرَاقِ وَيَأْمُرُهُمْ بِأَخْذِ يُوسُفَ وَعُمَّالِهِ، وَبَعَثَ الْكُتُبَ كُلَّهَا إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ كَيْسَانَ لِيُفَرِّقَهَا عَلَى الْقُوَّادِ، فَحَبَسَ الْكُتُبَ وَحَمَلَ كِتَابَهُ فَأَقْرَأَهُ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ، فَتَحَيَّرَ فِي أَمْرِهِ وَقَالَ لِسُلَيْمَانَ: مَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: لَيْسَ لَكَ إِمَامٌ تُقَاتِلُ مَعَهُ، وَلَا يُقَاتِلُ أَهْلُ الشَّامِ مَعَكَ، وَلَا آمَنُ عَلَيْكَ مَنْصُورًا، وَمَا الرَّأْيُ إِلَّا أَنْ تَلْحَقَ بِشَامِكَ. قَالَ: فَكَيْفَ الْحِيلَةُ؟ قَالَ: تُظْهِرُ الطَّاعَةَ لِيَزِيدَ وَتَدْعُو لَهُ فِي خُطْبَتِكَ، فَإِذَا قَرُبَ مَنْصُورٌ تَسْتَخْفِي عِنْدِي وَتَدَعُهُ وَالْعَمَلَ. ثُمَّ مَضَى سُلَيْمَانُ إِلَى عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يُئْوِيَ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ عِنْدَهُ، فَفَعَلَ، فَانْتَقَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute