يُوسُفُ إِلَيْهِ، قَالَ: فَلَمْ يُرَ رَجُلٌ كَانَ [لَهُ] مِثْلُ عُتُوِّهِ خَافَ خَوْفَهُ.
وَقَدِمَ مَنْصُورٌ الْكُوفَةَ فَخَطَبَهُمْ وَذَمَّ الْوَلِيدَ وَيُوسُفَ، وَقَامَتِ الْخُطَبَاءُ فَذَمُّوهُمَا مَعَهُ، فَأَتَى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ إِلَى يُوسُفَ فَأَخْبَرَهُ، فَجَعَلَ لَا يَذْكُرُ رَجُلًا مِمَّنْ ذَكَرَهُ بِسُوءٍ إِلَّا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَضْرِبَهُ كَذَا وَكَذَا سَوْطًا! فَجَعَلَ عَمْرٌو يَتَعَجَّبُ مِنْ طَمَعِهِ فِي الْوِلَايَةِ وَتَهَدَّدَهُ النَّاسُ.
وَسَارَ يُوسُفُ مِنَ الْكُوفَةِ سِرًّا إِلَى الشَّامِ فَنَزَلَ الْبَلْقَاءَ، فَلَمَّا بَلَغَ خَبَرُهُ يَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَجَّهَ إِلَيْهِ خَمْسِينَ فَارِسًا، فَعَرَضَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ لِيُوسُفَ فَقَالَ: يَابْنَ عُمَرَ وَاللَّهِ مَقْتُولٌ فَأَطِعْنِي وَامْتَنِعْ. قَالَ: لَا. قَالَ: فَدَعْنِي أَقْتُلْكَ أَنَا، وَلَا تَقْتُلْكَ هَذِهِ الْيَمَانِيَّةُ فَتَغِيظَنَا فِي قَتْلِكَ. قَالَ: مَا لِي فِيمَا عَرَضْتَ جَنَانٌ. قَالَ: فَأَنْتَ أَعْلَمُ.
فَطَلَبَهُ الْمُسَيَّرُونَ لِأَخْذِهِ فَلَمْ يَرَوْهُ، فَهَدَّدُوا ابْنًا لَهُ، فَقَالَ: إِنِّهُ انْطَلَقَ إِلَى مَزْرَعَةٍ لَهُ، فَسَارُوا فِي طَلَبِهِ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ هَرَبَ وَتَرَكَ نَعْلَيْهِ، فَفَتَّشُوا عَنْهُ فَوَجَدُوهُ بَيْنَ نِسْوَةٍ قَدْ أَلْقَيْنَ عَلَيْهِ قَطِيفَةَ خَزٍّ، وَجَلَسْنَ عَلَى حَوَاشِيهَا حَاسِرَاتٍ، فَجَرُّوا بِرِجْلِهِ وَأَخَذُوهُ وَأَقْبَلُوا بِهِ إِلَى يَزِيدَ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَرَسِ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَنَتَفَ بَعْضَهَا، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ لِحْيَةً وَأَصْغَرِهِمْ قَامَةً، فَلَمَّا أُدْخِلَ عَلَى يَزِيدَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَةِ نَفْسِهِ، وَهِيَ إِلَى سُرَّتِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَتَفَ وَاللَّهِ لِحْيَتِي فَمَا أَبْقَى فِيهَا شَعْرَةً! فَأَمَرَ بِهِ فَحُبِسَ بِالْخَضْرَاءِ، فَأَتَاهُ إِنْسَانٌ فَقَالَ لَهُ: أَمَا تَخَافُ أَنْ يَطْلَعَ عَلَيْكَ بَعْضُ مَنْ قَدْ وَتَرْتَ فَيُلْقِي عَلَيْكَ حَجَرًا فَيَقْتُلُكَ؟ فَقَالَ: مَا فَطِنْتُ لِهَذَا. فَأَرْسَلَ إِلَى يَزِيدَ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُحَوَّلَ إِلَى حَبْسٍ غَيْرِ الْخَضْرَاءِ وَإِنْ كَانَ أَضْيَقَ مِنْهُ. فَعَجِبَ مِنْ حُمْقِهِ، فَنَقَلَهُ وَحَبَسَهُ مَعَ ابْنَيِ الْوَلِيدِ، فَبَقِيَ فِي الْحَبْسِ وِلَايَةَ يَزِيدَ وَشَهْرَيْنِ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ وِلَايَةِ إِبْرَاهِيمَ، فَلَمَّا قَرُبَ مَرْوَانُ مِنْ دِمَشْقَ وَلَّى قَتْلَهُمْ يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَسْرِيُّ مَوْلًى لِأَبِيهِ خَالِدٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْأَسَدِ.
وَدَخَلَ مَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ لِأَيَّامٍ خَلَتْ مِنْ رَجَبٍ، فَأَخَذَ بُيُوتَ الْأَمْوَالِ وَأَخْرَجَ الْعَطَاءَ وَالْأَرْزَاقَ وَأَطْلَقَ مَنْ كَانَ فِي السُّجُونِ مِنَ الْعُمَّالِ وَأَهْلِ الْخَرَاجِ، وَبَايَعَ لِيَزِيدَ بِالْعِرَاقِ وَأَقَامَ بَقِيَّةَ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ، وَانْصَرَفَ لِأَيَّامٍ بَقِينَ مِنْهُ.
ذِكْرُ امْتِنَاعِ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ عَلَى مَنْصُورٍ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ امْتَنَعَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ بِخُرَاسَانَ مِنْ تَسْلِيمِ عَمَلِهِ لِعَامِلِ مَنْصُورِ بْنِ جُمْهُورٍ، وَكَانَ يَزِيدُ وَلَّاهَا مَنْصُورًا مَعَ الْعِرَاقِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مَا كَانَ مِنْ كِتَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute