النَّاسُ مِنْهُ الْعَطَاءَ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ نَصْرٌ: إِيَّايَ وَالْمَعْصِيَةَ! عَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ! فَوَثَبَ أَهْلُ السُّوقِ إِلَى أَسْوَاقِهِمْ، فَغَضِبَ نَصْرٌ وَقَالَ: مَا لَكُمْ عِنْدِي عَطَاءٌ. ثُمَّ قَالَ: كَأَنِّي بِكُمْ وَقَدْ نَبَعَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ شَرٌّ لَا يُطَاقُ، وَكَأَنِّي بِكُمْ مُطَّرِحِينَ فِي الْأَسْوَاقِ كَالْجُزُرِ الْمَنْحُورَةِ، إِنَّهُ لَمْ تَطُلْ وِلَايَةُ رَجُلٍ إِلَّا مَلُّوهَا، وَأَنْتُمْ يَا أَهْلَ خُرَاسَانَ مَسْلَحَةٌ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ، فَإِيَّاكُمْ أَنْ يَخْتَلِفَ فِيكُمْ سَيْفَانِ، إِنَّكُمْ تَرِشُونَ أَمْرًا تُرِيدُونَ بِهِ الْفِتْنَةَ، وَلَا أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ! لَقَدْ نَشَرْتُكُمْ وَطَوَيْتُكُمْ، [وَطَوَيْتُكُمْ وَنَشَرْتُكُمْ] فَمَا عِنْدِي مِنْكُمْ عَشَرَةٌ! وَإِنِّي وَإِيَّاكُمْ كَمَا قِيلَ:
اسْتَمْسِكُوا أَصْحَابَنَا نَحْدُو بِكُمْ ... فَقَدْ عَرَفْنَا خَيْرَكُمْ وَشَرَّكُمْ
فَاتَّقُوا اللَّهَ! فَوَاللَّهِ لَئِنِ اخْتَلَفَ فِيكُمْ سَيْفَانِ، لَيَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ يَنْخَلِعُ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ! يَا أَهْلَ خُرَاسَانَ إِنَّكُمْ قَدْ غَمَطْتُمُ الْجَمَاعَةَ، وَرَكَنْتُمْ إِلَى الْفُرْقَةِ! ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ: فَإِنْ يَغْلِبْ شَقَاؤُكُمُ عَلَيْكُمْ فَإِنِّي فِي صَلَاحِكُمُ سَعَيْتُ
وَقَدِمَ عَلَى نَصْرٍ عَهْدُهُ عَلَى خُرَاسَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ لِأَصْحَابِهِ: النَّاسُ فِي فِتْنَةً فَانْظُرُوا لِأُمُورِكُمْ رَجُلًا.
وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْكَرْمَانِيُّ لِأَنَّهُ وَلَدٌ بِكَرْمَانَ، وَاسْمُهُ جُدَيْعُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَزْدِيُّ الْمَعْنِيُّ، فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ لَنَا.
وَقَالَتِ الْمُضَرِيَّةُ لِنَصْرٍ: إِنَّ الْكَرْمَانِيَّ يُفْسِدُ عَلَيْكَ الْأُمُورَ فَأَرْسِلْ إِلَيْهِ (فَاقْتُلْهُ أَوِ احْبِسْهُ. قَالَ: لَا وَلَكِنْ لِي أَوْلَادٌ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ فَأُزَوِّجُ بَنِيَّ مِنْ بَنَاتِهِ) وَبَنَاتِي مِنْ بَنِيهِ. قَالُوا: لَا. قَالَ: فَابْعَثْ إِلَيْهِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ بَخِيلٌ، وَلَا يُعْطِي أَصْحَابَهُ شَيْئًا مِنْهَا فَيَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ. قَالُوا: لَا، هَذِهِ قُوَّةٌ لَهُ، وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى قَالُوا لَهُ: إِنَّ الْكَرْمَانِيَّ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السُّلْطَانِ وَالْمُلْكِ إِلَّا بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ لَتَنَصَّرَ وَتَهَوَّدَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute