وَكَانَ نَصْرٌ وَالْكَرْمَانِيُّ مُتَصَافِيَيْنِ، وَكَانَ الْكَرْمَانِيُّ قَدْ أَحْسَنَ إِلَى نَصْرٍ فِي وِلَايَةِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا وَلِيَ نَصْرٌ عَزَلَ الْكَرْمَانِيَّ عَنِ الرِّيَاسَةِ وَوَلَّاهَا غَيْرَهُ، فَتَبَاعَدَ مَا بَيْنَهُمَا.
فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى نَصْرٍ فِي أَمْرِ الْكَرْمَانِيِّ عَزَمَ عَلَى حَبْسِهِ، فَأَرْسَلَ صَاحِبَ حَرَسِهِ لِيَأْتِيَهُ بِهِ، فَأَرَادَتِ الْأَزْدُ أَنْ تُخَلِّصَهُ مِنْ يَدِهِ، فَمَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَسَارَ مَعَ صَاحِبِ الْحَرَسِ إِلَى نَصْرٍ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ نَصْرٌ: يَا كِرْمَانِيُّ أَلَمْ يَأْتِنِي كِتَابُ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ بِقَتْلِكَ فَرَاجَعْتُهُ، وَقُلْتُ: شَيْخُ خُرَاسَانَ وَفَارِسُهَا فَحَقَنْتُ دَمَكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَلَمْ أَغْرَمْ عَنْكَ مَا كَانَ لَزِمَكَ مِنَ الْغُرْمِ، وَقَسَّمْتُهُ فِي أَعْطِيَاتِ النَّاسِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَلَمْ أُرَئِّسِ ابْنَكَ عَلِيًّا عَلَى كُرْهٍ مِنْ قَوْمِكَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَبَدَّلْتَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا عَلَى الْفِتْنَةِ! قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لَمْ يَقُلِ الْأَمِيرُ شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَأَنَا لِذَلِكَ شَاكِرٌ، وَقَدْ كَانَ مِنِّي أَيَّامَ أَسَدٍ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَلْيَتَأَنَّ الْأَمِيرُ فَلَسْتُ أُحِبُّ الْفِتْنَةَ. فَقَالَ سَالِمُ بْنُ أَحْوَزَ: اضْرِبْ عُنُقَهُ أَيُّهَا الْأَمِيرُ! فَقَالَ عِصْمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيُّ لِلْكِرْمَانِيِّ: إِنَّكَ تُرِيدُ الْفِتْنَةَ وَمَا لَا تَنَالُهُ. فَقَالَ الْمِقْدَامُ وَقُدَامَةُ ابْنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نُعَيْمٍ الْعَامِرِيِّ: لَجُلَسَاءُ فِرْعَوْنَ خَيْرٌ مِنْكُمْ إِذْ {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} [الأعراف: ١١١] ، وَاللَّهِ لَا يُقْتَلُ الْكَرْمَانِيُّ بِقَوْلِكُمَا! فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ وَحُبِسَ فِي الْقَهِنْدَزِ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ.
فَتَكَلَّمَتِ الْأَزْدُ، فَقَالَ نَصْرٌ: إِنِّي حَلَفْتُ أَنْ أَحْبِسَهُ وَلَا يَنَالُهُ مِنِّي سُوءٌ، فَإِنْ خَشِيتُمْ عَلَيْهِ فَاخْتَارُوا رَجُلًا يَكُونُ مَعَهُ. فَاخْتَارُوا رَجُلًا يَكُونُ مَعَهُ. فَاخْتَارُوا يَزِيدَ النَّحْوِيَّ، فَكَانَ مَعَهُ.
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَسَفَ فَقَالَ لِآلِ الْكَرْمَانِيِّ: مَا تَجْعَلُونَ لِي إِنْ أَخْرَجْتُهُ؟ قَالُوا: كُلَّ مَا سَأَلْتَ. فَأَتَى مَجْرَى الْمَاءِ فِي الْقَهِنْدَزِ فَوَسَّعَهُ وَقَالَ لِوَلَدِ الْكَرْمَانِيِّ: اكْتُبُوا إِلَى أَبِيكُمْ يَسْتَعِدُّ اللَّيْلَةَ لِلْخُرُوجِ. فَكَتَبُوا إِلَيْهِ، فَأَدْخَلُوا الْكِتَابَ فِي الطَّعَامِ، فَتَعَشَّى الْكَرْمَانِيُّ وَيَزِيدُ النَّحْوِيُّ وَخَضِرُ بْنُ حَكِيمٍ وَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، وَدَخَلَ الْكَرْمَانِيُّ السَّرَبَ فَانْطَوَتْ عَلَى بَطْنِهِ حَيَّةٌ فَلَمْ تَضُرَّهُ وَخَرَجَ مِنَ السَّرَبِ، وَرَكِبَ فَرَسَهُ الْبَشِيرَ وَالْقَيْدُ فِي رِجْلِهِ فَأَتَوْا بِهِ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ حَرْمَلَةَ، فَأَطْلَقَ عَنْهُ.
وَقِيلَ: بَلْ خَلَّصَ الْكَرْمَانِيَّ مَوْلًى لَهُ رَأَى خَرْقًا فِي الْقَهِنْدَزِ فَوَسَّعَهُ وَأَخْرَجَهُ، فَلَمْ يَصِلِ الصُّبْحُ حَتَّى اجْتَمَعَ مَعَهُ زُهَاءُ أَلْفٍ، وَلَمْ يَرْتَفِعِ النَّهَارُ حَتَّى بَلَغُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute