وَكَانَتِ الْأَزْدُ قَدْ بَايَعُوا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ حَرْمَلَةَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ الْكَرْمَانِيُّ قَدَّمَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ.
فَلَمَّا هَرَبَ الْكَرْمَانِيُّ عَسْكَرَ نَصْرٌ بِبَابِ مَرْوِ الرُّوذِ وَخَطَبَ النَّاسَ فَنَالَ مِنَ الْكَرْمَانِيِّ، فَقَالَ: وُلِدَ بِكَرْمَانَ فَكَانَ كَرْمَانِيًّا، ثُمَّ سَقَطَ إِلَى هَرَاةَ فَصَارَ هَرَوِيًّا، وَالسَّاقِطُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ لَا أَصْلٌ ثَابِتٌ وَلَا فَرْعٌ نَابِتٌ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَزْدَ فَقَالَ: إِنْ يَسْتَوْسِقُوا فَهُمْ أَذَلُّ قَوْمٍ، وَإِنْ يَأْبَوْا فَهُمْ كَمَا قَالَ الْأَخْطَلُ:
ضَفَادِعُ فِي ظَلْمَاءِ لَيْلٍ تَجَاوَبَتْ ... فَدَلَّ عَلَيْهَا صَوْتُهَا حَيَّةَ الْبَحْرِ
ثُمَّ نَدِمَ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ فَقَالَ: اذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَا شَرَّ فِيهِ.
ثُمَّ اجْتَمَعَ إِلَى نَصْرٍ بَشَرٌ كَثِيرٌ، فَوَجَّهَ سَالِمَ بْنَ أَحْوَزَ فِي الْمُجَفَّفَةِ إِلَى الْكَرْمَانِيِّ، فَسَفَرَ النَّاسُ بَيْنَ نَصْرٍ وَالْكَرْمَانِيِّ وَسَأَلُوا نَصْرًا أَنْ يُؤَمِّنَهُ وَلَا يَحْبِسَهُ، وَجَاءَ الْكَرْمَانِيُّ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِ نَصْرٍ، فَأَمَرَهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ.
ثُمَّ بَلَغَ الْكَرْمَانِيَّ عَنْ نَصْرٍ شَيْءٌ فَخَرَجَ إِلَى قَرْيَةٍ لَهُ، فَخَرَجَ نَصْرٌ فَعَسْكَرَ بِبَابِ مَرْوَ، فَكَلَّمُوهُ فِيهِ فَآمَنَهُ، وَكَانَ رَأْيُ نَصْرٍ إِخْرَاجَهُ مِنْ خُرَاسَانَ، فَقَالَ لَهُ سَالِمُ بْنُ أَحْوَزَ: إِنْ أَخْرَجْتَهُ نَوَّهْتَ بِاسْمِهِ، وَقَالَ النَّاسُ: إِنَّمَا أَخْرَجَهُ لِأَنَّهُ هَابَهُ. فَقَالَ نَصْرٌ: إِنَّ الَّذِي أَتَخَوَّفُهُ مِنْهُ إِذَا خَرَجَ أَيْسَرُ مِمَّا أَتَخَوَّفُهُ مِنْهُ وَهُوَ مُقِيمٌ، وَالرَّجُلُ إِذَا نُفِيَ عَنْ بَلَدِهِ صَغُرَ أَمْرُهُ. فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَآمَنَهُ وَأَعْطَى أَصْحَابَهُ عَشَرَةً عَشَرَةً، وَأَتَى الْكَرْمَانِيُّ نَصْرًا فَآمَنَهُ.
فَلَمَّا عُزِلَ ابْنُ جُمْهُورٍ عَنِ الْعِرَاقِ وَوَلِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ خَطَبَ نَصْرٌ وَذَكَرَ ابْنَ جُمْهُورٍ وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عُمَّالِ الْعِرَاقِ وَقَدْ عَزَلَهُ اللَّهُ وَاسْتَعْمَلَ الطَّيِّبَ بْنَ الطَّيِّبِ. فَغَضِبَ الْكَرْمَانِيُّ لِابْنِ جُمْهُورٍ وَعَادَ فِي جَمْعِ الرِّجَالِ وَاتِّخَاذِ السِّلَاحِ، فَكَانَ يَحْضُرُ الْجُمْعَةَ فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ فَيُصَلِّي خَارِجَ الْمَقْصُورَةِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ عَلَى نَصْرٍ وَلَا يَجْلِسُ. ثُمَّ تَرَكَ إِتْيَانَ نَصْرٍ وَأَظْهَرَ الْخِلَافَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ نَصْرٌ مَعَ سَالِمِ بْنِ أَحْوَزَ يَقُولُ لَهُ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِحَبْسِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute