للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا قَضَى سُلَيْمَانُ الصَّلَاةَ انْصَرَفَ أَبُو مُسْلِمٍ وَالشِّيعَةُ إِلَى طَعَامٍ قَدْ أَعَدَّهُ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مُسْتَبْشِرِينَ.

وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ وَهُوَ فِي الْخَنْدَقِ إِذَا كَتَبَ إِلَى نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ كِتَابًا يَكْتُبُ لِلْأَمِيرِ نَصْرٍ، فَلَمَّا قَوِيَ أَبُو مُسْلِمٍ بِمَنِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ، فَكَتَبَ إِلَى نَصْرٍ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ عَيَّرَ أَقْوَامًا فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا - اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: ٤٢ - ٤٣] . فَتَعَاظَمَ نَصْرٌ الْكِتَابَ وَكَسَرَ لَهُ إِحْدَى عَيْنَيْهِ وَقَالَ: هَذَا كِتَابٌ مَا لَهُ جَوَابٌ.

وَكَانَ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَأَبُو مُسْلِمٍ بِسَفِيذَنْجَ أَنَّ نَصْرًا وَجَّهَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ لِمُحَارَبَةِ أَبِي مُسْلِمٍ بَعْدَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ ظُهُورِهِ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ أَبُو مُسْلِمٍ مَالِكَ بْنَ الْهَيْثَمِ الْخُزَاعِيَّ، فَالْتَقَوْا بِقَرْيَةِ أَلْيَنَ، فَدَعَاهُمْ مَالِكٌ إِلَى الرِّضَاءِ مِنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَكْبَرُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَاتَلَهُمْ مَالِكٌ، وَهُوَ فِي نَحْوِ مِائَتَيْنِ، مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ، وَقَدِمَ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ صَالِحُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضَّبِّيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ زَيْدٍ وَزِيَادُ بْنُ عِيسَى، فَسَيَّرَهُمْ إِلَى مَالِكٍ، فَقَوِيَ بِهِمْ، وَكَانَ قُدُومُهُمْ إِلَيْهِ مَعَ الْعَصْرِ، فَقَالَ مَوْلَى نَصْرٍ: إِنْ تَرَكْنَا هَؤُلَاءِ اللَّيْلَةَ أَتَتْهُمْ أَمْدَادُهُمْ، فَاحْمِلُوا عَلَى الْقَوْمِ. فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَحَمَلَ عَبْدُ اللَّهِ الطَّائِيُّ عَلَى مَوْلَى نَصْرٍ فَأَسَرَهُ وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، فَأَرْسَلَ الطَّائِيُّ بِأَسِيرِهِ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ وَمَعَهُ رُءُوسُ الْقَتْلَى، فَنَصَبَ الرُءُوسَ، وَأَحْسَنَ إِلَى يَزِيدَ مَوْلَى نَصْرٍ، وَعَالَجَهُ حَتَّى انْدَمَلَتْ جِرَاحُهُ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تُقِيمَ مَعَنَا فَقَدْ أَرْشَدَكَ اللَّهُ، وَإِنْ كَرِهْتَ فَارْجِعْ إِلَى مَوْلَاكَ سَالِمًا، وَأَعْطِنَا عَهْدَ اللَّهِ أَنَّكَ لَا تُحَارِبُنَا، وَلَا تَكْذِبُ عَلَيْنَا، وَأَنْ تَقُولَ فِينَا مَا رَأَيْتَ. فَرَجَعَ إِلَى مَوْلَاهُ. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: إِنَّ هَذَا سَيَرُدُّ عَنْكُمْ أَهْلَ الْوَرَعِ وَالصَّلَاحِ فَمَا نَحْنُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ كَانَ عِنْدَهُمْ يُرْجِفُونَ عَلَيْهِمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَاسْتِحْلَالِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْفُرُوجِ.

فَلَمَّا قَدِمَ يَزِيدُ عَلَى نَصْرٍ قَالَ: لَا مَرْحَبًا! فَوَاللَّهِ مَا اسْتَبَقَاكَ الْقَوْمُ إِلَّا لِيَتَّخِذُوكَ حُجَّةً

<<  <  ج: ص:  >  >>