فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ أَبُو مُسْلِمٍ النَّضْرَ بْنَ نُعَيْمٍ الضَّبِّيَّ إِلَى هَرَاةَ وَعَلَيْهَا عِيسَى بْنُ عَقِيلِ بْنِ مَعْقِلٍ اللَّيْثِيُّ، فَطَرَدَهُ عَنْهَا، فَقَدِمَ عَلَى نَصْرٍ مُنْهَزِمًا وَغَلَبَ النَّضْرُ عَلَى هَرَاةَ.
فَقَالَ يَحْيَى بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هُبَيْرَةَ الشَّيْبَانِيُّ لِابْنِ الْكَرْمَانِيِّ وَشَيْبَانَ: اخْتَارُوا إِمَّا أَنَّكُمْ تَهْلِكُونَ أَنْتُمْ قَبْلَ مُضَرَ، أَوْ مُضَرُ قَبْلَكُمْ. قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ إِنَّمَا ظَهَرَ أَمْرُهُ مُنْذُ شَهْرٍ، وَقَدْ صَارَ فِي عَسْكَرِهِ مِثْلَ عَسْكَرِكُمْ. قَالُوا: فَمَا الرَّأْيُ؟ قَالَ: صَالِحُوا نَصْرًا، فَإِنَّكُمْ إِنْ صَالَحْتُمُوهُ قَاتَلُوا نَصْرًا وَتَرَكُوكُمْ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي مُضَرَ، وَإِنْ لَمْ تُصَالِحُوا نَصْرًا صَالَحُوهُ وَقَاتَلُوكُمْ، فَقَدِّمُوا مُضَرَ قَبْلَكُمْ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَتَقَرُّ أَعْيُنُكُمْ بِقَتْلِهِمْ.
فَأَرْسَلَ شَيْبَانُ إِلَى نَصْرٍ يَدْعُوهُ إِلَى الْمُوَادَعَةِ، فَأَجَابَهُ وَأَرْسَلَ سَالِمَ بْنَ أَحْوَزَ بِكِتَابِ الْمُوَادَعَةِ، فَأَتَى شَيْبَانَ وَعِنْدَهُ ابْنُ الْكَرْمَانِيِّ وَيَحْيَى بْنُ نُعَيْمٍ، فَقَالَ سَالِمٌ لِابْنِ الْكَرْمَانِيِّ: يَا أَعْوَرُ! مَا أَخْلَقَكَ أَنْ تَكُونَ الْأَعْوَرَ الَّذِي يَكُونُ هَلَاكُ مُضَرَ عَلَى يَدِهِ! ثُمَّ تَوَادَعُوا سَنَةً وَكَتَبُوا كِتَابًا.
فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا مُسْلِمٍ فَكَتَبَ إِلَى شَيْبَانَ: إِنَّا نُوَادِعُكَ أَشْهُرًا فَوَادِعْنَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. فَقَالَ ابْنُ الْكَرْمَانِيِّ: إِنِّي مَا صَالَحْتُ نَصْرًا إِنَّمَا صَالَحَهُ شَيْبَانُ، وَأَنَا لِذَلِكَ كَارِهٌ، وَأَنَا مَوْتُورٌ بِقَتْلِهِ أَبِي وَلَا أَدَعُ قِتَالَهُ. فَعَاوَدَ الْقِتَالَ، وَلَمْ يُعِنْهُ شَيْبَانُ وَقَالَ: لَا يَحِلُّ الْغَدْرُ.
فَأَرْسَلَ ابْنُ الْكَرْمَانِيِّ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ يَسْتَنْصِرُهُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى نَزَلَ الْمَاخُوَانَ، وَكَانَ مُقَامُهُ بِسَفِيذَنْجَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَلَمَّا نَزَلَ الْمَاخُوَانَ حَفَرَ بِهَا خَنْدَقًا وَجَعَلَ لِلْخَنْدَقِ بَابَيْنِ فَعَسْكَرَ بِهِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الشُّرَطِ أَبَا نَصْرٍ مَالِكَ بْنَ الْهَيْثَمِ، وَعَلَى الْحَرَسِ أَبَا إِسْحَاقَ خَالِدَ بْنَ عُثْمَانَ، وَعَلَى دِيوَانِ الْجُنْدِ كَامِلَ بْنَ مُظَفَّرٍ أَبَا صَالِحٍ، وَعَلَى الرَّسَائِلِ أَسْلَمَ بْنَ صُبَيْحٍ، وَعَلَى الْقَضَاءِ الْقَاسِمَ بْنَ مُجَاشِعٍ النَّقِيبَ، وَكَانَ الْقَاسِمُ يُصَلِّي بِأَبِي مُسْلِمٍ فَيَقُصُّ الْقِصَصَ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَيَذْكُرُ فَضْلَ بَنِي هَاشِمٍ وَمَعَايِبَ بَنِي أُمَيَّةَ.
وَلَمَّا نَزَلَ أَبُو مُسْلِمٍ الْمَاخُوَانَ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الْكَرْمَانِيِّ: إِنِّي مَعَكَ عَلَى نَصْرٍ. فَقَالَ ابْنُ الْكَرْمَانِيِّ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَلْقَانِي أَبُو مُسْلِمٍ. فَأَتَاهُ أَبُو مُسْلِمٍ فَأَقَامَ عِنْدَهُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَاخُوَانِ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ.
وَكَانَ أَوَّلُ عَامِلٍ اسْتَعْمَلَهُ أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْعَمَلِ دَاوُدَ بْنَ كَرَارَ، فَرَدَّ أَبُو مُسْلِمٍ الْعَبِيدَ عَنْهُ وَاحْتَفَرَ لَهُمْ خَنْدَقًا فِي قَرْيَةِ شَوَّالٍ، وَوَلَّى الْخَنْدَقَ دَاوُدَ بْنَ كَرَارَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute