للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدِمَ قَحْطَبَةُ فَنَزَلَ بِإِزَاءِ نَبَاتَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ فِي عِدَّةٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهَا، فَلَمَّا رَآهُمْ أَهْلُ خُرَاسَانَ هَابُوهُمْ حَتَّى تَكَلَّمُوا بِذَلِكَ وَأَظْهَرُوهُ، فَبَلَغَ قَحْطَبَةَ قَوْلُهُمْ، فَقَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: يَا أَهْلَ خُرَاسَانَ هَذِهِ الْبِلَادُ كَانَتْ لِآبَائِكُمْ، وَكَانُوا يُنْصَرُونَ عَلَى عَدُوِّهِمْ لِعَدْلِهِمْ وَحُسْنِ سِيرَتِهِمْ حَتَّى بَدَّلُوا وَظَلَمُوا فَسَخِطَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيْهِمْ فَانْتَزَعَ سُلْطَانَهُمْ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ أَذَلَّ أُمَّةٍ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ عِنْدَهُمْ، فَغَلَبُوهُمْ عَلَى بِلَادِهِمْ، وَكَانُوا بِذَلِكَ يَحْكُمُونَ بِالْعَدْلِ وَيُوفُونَ بِالْعَهْدِ وَيَنْصُرُونَ الْمَظْلُومَ، ثُمَّ بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا وَجَارُوا فِي الْحُكْمِ، وَأَخَافُوا أَهْلَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى مِنْ عِتْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ; فَسَلَّطَكُمْ عَلَيْهِمْ لِيَنْتَقِمَ مِنْهُمْ بِكُمْ، لِتَكُونُوا أَشَدَّ عُقُوبَةً لِأَنَّكُمْ طَلَبْتُمُوهُمْ بِالثَّأْرِ، وَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ الْإِمَامُ أَنَّكُمْ تَلْقَوْنَهُمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْعُدَّةِ فَيَنْصُرُكُمُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيْهِمْ فَتَهْزِمُونَهُمْ وَتَقْتُلُونَهُمْ.

فَالْتَقَوْا فِي مُسْتَهَلِّ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثِينَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، فَقَالَ لَهُمْ قَحْطَبَةُ قَبْلَ الْقِتَالِ: إِنَّ الْإِمَامَ أَخْبَرَنَا أَنَّكُمْ تُنْصَرُونَ عَلَى عَدُوِّكُمْ هَذَا الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، وَكَانَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ ابْنُهُ الْحَسَنُ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ نَبَاتَةُ، وَانْهَزَمَ أَهْلُ الشَّامِ فَقُتِلَ مِنْهُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَبَعَثَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ بِرَأْسِ نَبَاتَةَ.

ذِكْرُ وَقْعَةِ أَبِي حَمْزَةَ الْخَارِجِيِّ بِقُدَيْدٍ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ كَانَتِ الْوَقْعَةُ بِقُدَيْدٍ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَبِي حَمْزَةَ الْخَارِجِيِّ.

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ سُلَيْمَانَ ضَرَبَ الْبَعْثَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَخَرَجُوا، فَلَمَّا كَانُوا بِالْحَرَّةِ لَقِيَتْهُمْ جُزُرٌ مَنْحُورَةٌ فَتَقَدَّمُوا، فَلَمَّا كَانُوا بِالْعَقِيقِ تَعَلَّقَ لِوَاؤُهُمْ بِسَمُرَةٍ فَانْكَسَرَ الرُّمْحُ، فَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِالْخُرُوجِ، وَأَتَاهُمْ رُسُلُ أَبِي حَمْزَةَ يَقُولُونَ: إِنَّنَا وَاللَّهِ مَا لَنَا بِقِتَالِكُمْ حَاجَةٌ، دَعُونَا نَمْضِ إِلَى عَدُوِّنَا. فَأَبَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يُجِيبُوهُ إِلَى ذَلِكَ، وَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا قُدَيْدًا، وَكَانُوا مُتْرَفِينَ لَيْسُوا بِأَصْحَابِ حَرْبٍ، فَلَمْ يَشْعُرُوا إِلَّا وَقَدْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُ أَبِي حَمْزَةَ مِنَ الْفُضَاضِ فَقَتَلُوهُمْ، وَكَانَتِ الْمَقْتَلَةُ بِقُرَيْشٍ، وَفِيهِمْ كَانَتِ الشَّوْكَةُ، فَأُصِيبَ مِنْهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَقَدِمَ الْمُنْهَزِمُونَ الْمَدِينَةَ فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُقِيمُ النَّوَائِحَ عَلَى حَمِيمِهَا وَمَعَهَا النِّسَاءُ، فَمَا تَبْرَحُ النِّسَاءُ حَتَّى تَأْتِيَهُنَّ الْأَخْبَارُ عَنْ رِجَالِهِنَّ، فَيَخْرُجْنَ امْرَأَةً امْرَأَةً، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَذْهَبُ لِقَتْلِ رَجُلِهَا، فَلَا تَبْقَى عِنْدَهَا امْرَأَةٌ لِكَثْرَةِ مَنْ قُتِلَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>