للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: إِنَّ خُزَاعَةَ دَلَّتْ أَبَا حَمْزَةَ عَلَى أَصْحَابِ قُدَيْدٍ، وَقِيلَ: كَانَ عِدَّةُ الْقَتْلَى سَبْعَمِائَةٍ.

ذِكْرُ دُخُولِ أَبِي حَمْزَةَ الْمَدِينَةَ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ دَخَلَ أَبُو حَمْزَةَ الْمَدِينَةَ ثَالِثَ عَشَرَ صَفَرٍ، وَمَضَى عَبْدُ الْوَاحِدِ مِنْهَا إِلَى الشَّامِ، وَكَانَ أَبُو حَمْزَةَ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: مَا لَنَا بِقِتَالِكُمْ حَاجَةٌ، دَعُونَا نَمْضِ إِلَى عَدُوِّنَا. فَأَبَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ وَخَطَبَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ! مَرَرْتُ زَمَانَ الْأَحْوَلِ، يَعْنِي هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَدْ أَصَابَ ثِمَارَكُمْ عَاهَةٌ فَكَتَبْتُمْ إِلَيْهِ تَسْأَلُونَهُ أَنْ يَضَعَ عَنْكُمْ خَرَاجَكُمْ فَفَعَلَ، فَزَادَ الْغَنِيَّ غِنًى وَالْفَقِيرَ فَقْرًا، فَقُلْتُمْ لَهُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَلَا جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا وَلَا جَزَاهُ خَيْرًا! وَاعْلَمُوا يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنَّا لَمْ نَخْرُجْ مِنْ دِيَارِنَا أَشَرًا وَلَا بَطَرًا وَلَا عَبَثًا وَلَا لِدَوْلَةِ مُلْكٍ نُرِيدُ أَنْ نَخُوضَ فِيهِ، وَلَا لِثَأْرٍ قَدِيمٍ نِيلَ مِنَّا، وَلَكِنَّا لَمَّا رَأَيْنَا مَصَابِيحَ الْحَقِّ قَدْ عُطِّلَتْ، وَعُنِّفَ الْقَائِلُ بِالْحَقِّ، وَقُتِلَ الْقَائِمُ بِالْقِسْطِ، ضَاقَتْ عَلَيْنَا الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَسَمِعْنَا دَاعِيًا يَدْعُو إِلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ وَحُكْمِ الْقُرْآنِ، فَأَجَبْنَا دَاعِيَ اللَّهِ، {وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ} [الأحقاف: ٣٢] ، فَأَقْبَلْنَا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى، وَنَحْنُ قَلِيلُونَ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ، فَآوَانَا وَأَيَّدَنَا بِنَصْرِهِ فَأَصْبَحْنَا بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا، ثُمَّ لَقِينَا رِجَالَكُمْ [بِقُدَيْدٍ] فَدَعَوْنَاهُمْ إِلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ وَحُكْمِ الْقُرْآنِ، فَدَعَوْنَا إِلَى طَاعَةِ الشَّيْطَانِ وَحُكْمِ بَنِي مَرْوَانَ، فَشَتَّانَ لَعَمْرُ اللَّهِ مَا بَيْنَ الْغَيِّ وَالرُّشْدِ، ثُمَّ أَقْبَلُوا يُهْرَعُونَ وَقَدْ ضَرَبَ الشَّيْطَانُ فِيهِمْ بِجِرَانِهِ وَغَلَتْ بِدِمَائِهِمْ مَرَاجِلُهُ وَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ ظَنَّهَ، وَأَقْبَلَ أَنْصَارُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَصَائِبَ وَكَتَائِبَ بِكُلِّ مُهَنَّدٍ ذِي رَوْنَقٍ، فَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ بِضَرْبٍ يَرْتَابُ بِهِ الْمُبْطِلُونَ، وَأَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِنْ تَنْصُرُوا مَرْوَانَ وَآلَ مَرْوَانَ يُسْحِتْكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: ١٤] . يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَوَّلُكُمْ خَيْرُ أَوَّلٍ، وَآخِرُكُمْ شَرُّ آخِرٍ! يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَخْبِرُونِي عَنْ ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ فَرَضَهَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابِهِ عَلَى الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ، فَجَاءَ تَاسِعٌ لَيْسَ لَهُ فِيهَا سَهْمٌ فَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ مُكَابِرًا مُحَارِبًا رَبَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>