للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَنْتَقِصُونَ أَصْحَابِي! قُلْتُمْ شَبَابٌ أَحْدَاثٌ وَأَعْرَابٌ حُفَاةٌ! وَيْحَكُمْ! وَهَلْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا شَبَابًا أَحْدَاثًا وَأَعْرَابًا حُفَاةً؟ [هُمْ] وَاللَّهِ مُكْتَهِلُونَ فِي شَبَابِهِمْ، غَضِيضَةٌ عَنِ الشَّرِّ أَعْيُنُهُمْ، ثَقِيلَةٌ عَنِ الْبَاطِلِ أَقْدَامُهُمْ. وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ مَعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَاسْتَمَالَ حَتَّى سَمِعُوهُ يَقُولُ: مَنْ زَنَى فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ سَرَقَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمَا فَهُوَ كَافِرٌ.

وَأَقَامَ أَبُو حَمْزَةَ بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ.

ذِكْرُ قَتْلِ أَبِي حَمْزَةَ الْخَارِجِيِّ

ثُمَّ إِنَّ أَبَا حَمْزَةَ وَدَّعَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَقَالَ لَهُمْ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِنَّا خَارِجُونَ إِلَى مَرْوَانَ، فَإِنْ نَظْفَرْ نَعْدِلْ فِي إِخْوَانِكُمْ وَنَحْمِلْكُمْ عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ، وَإِنْ يَكُنْ مَا تَتَمَنَّوْنَ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: ٢٢٧] .

ثُمَّ سَارَ نَحْوَ الشَّامِ، وَكَانَ مَرْوَانُ قَدِ انْتَخَبَ مِنْ عَسْكَرِهِ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَطِيَّةَ السَّعْدِيَّ، سَعْدُ هَوَازِنَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُجِدَّ السَّيْرَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ الْخَوَارِجَ، فَإِنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِمْ يَسِيرُ حَتَّى يَبْلُغَ الْيَمَنَ وَيُقَاتِلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَحْيَى طَالِبَ الْحَقِّ.

فَسَارَ ابْنُ عَطِيَّةَ فَالْتَقَى أَبَا حَمْزَةَ بِوَادِي الْقُرَى، فَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ لِأَصْحَابِهِ: لَا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى تَخْتَبِرُوهُمْ. فَصَاحُوا بِهِمْ: مَا تَقُولُونَ فِي الْقُرْآنِ وَالْعَمَلِ بِهِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: نَضَعُهُ فِي جَوْفِ الْجَوَالِقِ. فَقَالَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ؟ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: نَأْكُلُ مَالَهُ وَنَفْجُرُ بِأُمِّهِ، فِي أَشْيَاءَ سَأَلُوهُ عَنْهَا. فَلَمَّا سَمِعُوا كَلَامَهُ قَاتَلُوهُ حَتَّى أَمْسَوْا وَصَاحُوا: وَيْحَكَ يَابْنَ عَطِيَّةَ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا فَاسْكُنْ. فَأَبَى وَقَاتَلَهُمْ حَتَّى قَتَلَهُمْ، وَانْهَزَمَ أَصْحَابُ أَبِي حَمْزَةَ، مَنْ لَمْ يُقْتَلْ، وَأَتَوُا الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَهُمْ فَقَتَلَهُمْ، وَسَارَ ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ شَهْرًا.

وَفِيمَنْ قُتِلَ مَعَ أَبِي حَمْزَةَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْقَارِئُ الْمَدَنِيُّ الْمَعْرُوفُ بِيَشْبِكَسْتَ النَّحْوِيِّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>