قَالَ ابْنُ النَّقَاحِ بَيْتَيْنِ مِنَ الشِّعْرِ، وَوَجَّهَ بِرَجُلٍ إِلَى عَسْكَرِ مَرْوَانَ لِيَقْدَمَ عَلَى الْخَيْلِ لَيْلًا، فَصِيحَ فِيهِمَا وَشَمَسَ فِي النَّاسِ، وَلَا يُوجَدُ، وَهُمَا:
يَا آلَ مَرْوَانَ إِنَّ اللَّهَ مُهْلِكُكُمْ وَمُبْدِلٌ بِكُمْ خَوْفًا وَتَشْرِيدًا لَا عَمَّرَ اللَّهُ مِنْ إِنْشَائِكُمْ أَحَدًا وَبَثَّكُمْ فِي بِلَادِ الْخَوْفِ تَطْرِيدًا قَالَ: فَعَلْتُ ذَلِكَ فَدَخَلَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَةٌ.
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى: نَظَرَ السَّفَّاحُ يَوْمًا فِي الْمِرْآةِ، وَكَانَ أَجْمَلَ النَّاسِ وَجْهًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَقُولُ كَمَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَنَا الْمَلِكُ الشَّابُّ، وَلَكِنِّي [أَقُولُ] : اللَّهُمَّ عَمِّرْنِي طَوِيلًا فِي طَاعَتِكَ مُمَتَّعًا بِالْعَافِيَةِ.
فَمَا اسْتَتَمَّ كَلَامَهُ حَتَّى سَمِعَ غُلَامًا يَقُولُ لِغُلَامٍ آخَرَ: الْأَجَلُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ. فَتَطَيَّرَ مِنْ كَلَامِهِ وَقَالَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ أَسْتَعِينُ. فَمَا مَضَتِ الْأَيَّامُ حَتَّى أَخَذَتْهُ الْحُمَّى، وَاتَّصَلَ مَرَضُهُ فَمَاتَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ.
ذِكْرُ خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَقَدَ السَّفَّاحُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ لِأَخِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِالْخِلَافَةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَجَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ بَعْدِ أَبِي جَعْفَرٍ وَلَدَ أَخِيهِ عِيسَى بْنَ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَجَعَلَ الْعَهْدَ فِي ثَوْبٍ، وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِهِ وَخَوَاتِيمِ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَدَفَعَهُ إِلَى عِيسَى بْنِ مُوسَى.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ السَّفَّاحُ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ بِمَكَّةَ، فَأَخَذَ الْبَيْعَةَ لِأَبِي جَعْفَرٍ عِيسَى بْنُ مُوسَى، وَكَتَبَ إِلَيْهِ يُعْلِمُهُ وَفَاةَ السَّفَّاحِ وَالْبَيْعَةَ لَهُ، فَلَقِيَهُ الرَّسُولُ بِمَنْزِلِ صَفِيَّةَ فَقَالَ: صَفَتْ لَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ يَسْتَدْعِيهِ، وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ قَدْ تَقَدَّمَ، فَأَقْبَلَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَيْهِ. فَلَمَّا جَلَسَ وَأَلْقَى إِلَيْهِ كِتَابَهُ قَرَأَهُ وَبَكَى وَاسْتَرْجَعَ وَنَظَرَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ، وَقَدْ جَزِعَ جَزَعًا شَدِيدًا، فَقَالَ: مَا هَذَا الْجَزَعُ وَقَدْ أَتَتْكَ الْخِلَافَةُ؟ قَالَ: أَتَخَوَّفُ شَرَّ عَمِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ وَشَغَبَهُ عَلَيَّ. قَالَ: لَا تَخَفْهُ فَأَنَا أَكْفِيكَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، إِنَّمَا عَامَّةُ جُنْدِهِ وَمَنْ مَعَهُ أَهْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute