[بِمَحَبَّتِهِمْ] ، وَأَعَزَّنَا بِنَصْرِنَا لَهُمْ، وَلَمْ نَلْقَ مِنْهُمْ رَجُلًا إِلَّا بِمَا قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِنَا، حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي بِلَادِهِمْ بِبَصَائِرَ نَافِذَةٍ، وَطَاعَةٍ خَالِصَةٍ، أَفَتُرِيدُ حِينَ بَلَغْنَا غَايَةَ مُنَانَا، وَمُنْتَهَى أَمَلِنَا أَنْ تُفْسِدَ أَمْرَنَا، وَتُفَرِّقَ كَلِمَتَنَا؟ ! وَقَدْ قَلْتَ لَنَا مَنْ خَالَفَكُمْ فَاقْتُلُوهُ، وَإِنْ خَالَفْتُكُمْ فَاقْتُلُونِي! .
فَأَقْبَلَ أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى أَبِي نَصْرٍ مَالِكِ بْنِ الْهَيْثَمِ، فَقَالَ: أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ لِي هَذَا؟ مَا كَانَ بِكَلَامِهِ يَا مَالِكُ! قَالَ: لَا تَسْمَعْ قَوْلَهُ، وَلَا يَهُولَنَّكَ هَذَا مِنْهُ، فَلَعَمْرِي مَا هَذَا كَلَامَهُ، وَلَمَا بَعْدَ هَذَا أَشَدُّ مِنْهُ، فَامْضِ لِأَمْرِكَ وَلَا تَرْجِعْ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ أَتَيْتَهُ لَيَقْتُلَنَّكَ، وَلَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْكَ شَيْءٌ لَا يَأْمَنُكَ أَبَدًا.
فَقَالَ: قُومُوا، فَنَهَضُوا، فَأَرْسَلَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى نَيْزَكٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْكُتُبَ وَمَا قَالُوا، فَقَالَ: مَا أَرَى أَنْ تَأْتِيَهُ، وَأَرَى أَنْ تَأْتِيَ الرَّيَّ فَتُقِيمَ بِهَا، [فَيَصِيرَ] مَا بَيْنَ خُرَاسَانَ وَالرَّيِّ لَكَ، وَهُمْ جُنْدُكَ لَا يُخَالِفُكَ أَحَدٌ، فَإِنِ اسْتَقَامَ لَكَ اسْتَقَمْتَ لَهُ، وَإِنْ أَبَى كُنْتَ فِي جُنْدِكَ وَكَانَتْ خُرَاسَانُ وَرَاءَكَ، وَرَأَيْتَ رَأْيَكَ.
فَدَعَا أَبَا حُمَيْدٍ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى صَاحِبِكَ، فَلَيْسَ مِنْ رَأْيِي أَنْ آتِيَهُ. قَالَ: قَدْ عَزَمْتَ عَلَى خِلَافِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَا تَفْعَلْ! قَالَ: لَا أَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدًا. فَلَمَّا يَئِسَ مِنْ رُجُوعِهِ مَعَهُ قَالَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ، فَوَجَمَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: قُمْ. فَكَسَّرَهُ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَرَعَّبَهُ.
وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ قَدْ كَتَبَ إِلَى أَبِي دَاوُدَ خَلِيفَةِ أَبِي مُسْلِمٍ بِخُرَاسَانَ حِينَ اتَّهَمَ أَبَا مُسْلِمٍ: إِنَّ لَكَ إِمْرَةَ خُرَاسَانَ مَا بَقِيتَ. فَكَتَبَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ: إِنَّا لَمْ نَخْرُجْ لِمَعْصِيَةِ خُلَفَاءِ اللَّهِ وَأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تُخَالِفَنَّ إِمَامَكَ، وَلَا تَرْجِعَنَّ إِلَّا بِإِذْنِهِ.
فَوَافَاهُ كِتَابُهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَزَادَهُ رُعْبًا وَهَمًّا، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي حُمَيْدٍ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي كُنْتُ عَازِمًا عَلَى الْمُضِيِّ إِلَى خُرَاسَانَ ثُمَّ رَأَيْتُ أَنْ أُوَجِّهَ أَبَا إِسْحَاقَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَأْتِيَنِي بِرَأْيِهِ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ. فَوَجَّهَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ تَلَقَّاهُ بَنُو هَاشِمٍ بِكُلِّ مَا يُحِبُّ، وَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: اصْرِفْهُ عَنْ وَجْهِهِ وَلَكَ وِلَايَةُ خُرَاسَانَ، وَأَجَازَهُ.
فَرَجَعَ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَالَ لِأَبِي مُسْلِمٍ: مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا، رَأَيْتُهُمْ مُعَظِّمِينَ لِحَقِّكَ يَرَوْنَ لَكَ مَا يَرَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ. وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَعْتَذِرَ إِلَيْهِ مِمَّا كَانَ مِنْهُ، فَأَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ نَيْزَكٌ: قَدْ أَجْمَعْتَ عَلَى الرُّجُوعِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَتَمَثَّلَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute