مَا لِلرِّجَالِ مَعَ الْقَضَاءِ مَحَالَةٌ ... ذَهَبَ الْقَضَاءُ بِحِيلَةِ الْأَقْوَامِ
قَالَ: إِذَا عَزَمْتَ عَلَى هَذَا فَخَارَ اللَّهُ لَكَ. احْفَظْ عَنِّي وَاحِدَةً، إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ فَاقْتُلْهُ ثُمَّ بَايِعْ مَنْ شِئْتَ، فَإِنَّ النَّاسَ لَا يُخَالِفُونَكَ.
وَكَتَبَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى الْمَنْصُورِ يُخْبِرُهُ أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ إِلَيْهِ، فَسَارَ نَحْوَهُ، وَاسْتَخْلَفَ أَبَا نَصْرٍ عَلَى عَسْكَرِهِ، وَقَالَ لَهُ: أَقِمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ كِتَابِي، فَإِنْ أَتَاكَ مَخْتُومًا بِنِصْفِ خَاتَمٍ فَأَنَا كَتَبْتُهُ، وَإِنْ أَتَاكَ بِالْخَاتَمِ كُلِّهِ فَلَمْ أَخْتِمْهُ. وَقَدِمَ الْمَدَائِنَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافِ رَجُلٍ، وَخَلَّفَ النَّاسَ بِحُلْوَانَ.
وَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُ أَبِي مُسْلِمٍ عَلَى الْمَنْصُورِ قَرَأَهُ وَأَلْقَاهُ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ وَزِيرِهِ، فَقَرَأَهُ وَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: وَاللَّهِ لَئِنْ مَلَأْتُ عَيْنِي مِنْهُ لَأَقْتُلَنَّهُ.
فَخَافَ أَبُو أَيُّوبَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي مُسْلِمٍ أَنْ يَقْتُلُوا الْمَنْصُورَ وَيَقْتُلُوهُ مَعَهُ، فَدَعَا سَلَمَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ جَابِرٍ، وَقَالَ لَهُ: هَلْ عِنْدَكَ شُكْرٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: إِنْ وَلَّيْتُكَ وِلَايَةً تُصِيبُ مِنْهَا مِثْلَ مَا يُصِيبُ صَاحِبُ الْعِرَاقِ، تُدْخِلْ مَعَكَ أَخِي حَاتِمًا - وَأَرَادَ بِإِدْخَالِ أَخِيهِ مَعَهُ أَنْ يَطْمَعَ وَلَا يُنْكِرَ - وَتَجْعَلْ لَهُ النِّصْفَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ لَهُ: إِنَّ كَسْكَرَ كَالَتْ عَامَ أَوَّلَ كَذَا وَكَذَا، وَمِنْهَا الْعَامَ أَضْعَافُ ذَلِكَ، فَإِنْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ بِمَا كَالَتْ أَوْ بِالْأَمَانَةِ أَصَبْتَ مَا تَضِيقُ بِهِ ذَرْعًا.
قَالَ: كَيْفَ لِي بِهَذَا الْمَالِ؟ قَالَ لَهُ أَبُو أَيُّوبَ: تَأْتِي أَبَا مُسْلِمٍ فَتَلْقَاهُ وَتُكَلِّمُهُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا فِيمَا يُرْفَعُ مِنْ حَوَائِجِهِ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُرِيدُ أَنْ يُوَلِّيَهُ إِذَا قَدِمَ مَا وَرَاءَ بَابِهِ وَيُرِيحَ نَفْسَهُ، قَالَ: فَكَيْفَ لِي أَنْ يَأْذَنَ لِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي لِقَائِهِ؟ فَاسْتَأْذَنَ لَهُ أَبُو أَيُّوبَ فِي ذَلِكَ، فَأَذِنَ لَهُ الْمَنْصُورُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُبْلِغَ سَلَامَهُ وَشَوْقَهُ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ، فَلَقِيَهُ سَلَمَةُ بِالطَّرِيقِ وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ كَئِيبًا حَزِينًا، وَلَمْ يَزَلْ مَسْرُورًا حَتَّى قَدِمَ.
فَلَمَّا دَنَا أَبُو مُسْلِمٍ مِنَ الْمَنْصُورِ أَمَرَ النَّاسَ بِتَلَقِّيهِ، فَتَلَقَّاهُ بَنُو هَاشِمٍ وَالنَّاسُ، ثُمَّ قَدِمَ فَدَخَلَ عَلَى الْمَنْصُورِ فَقَبَّلَ يَدَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيُرَوِّحَ نَفْسَهُ لِثَلَاثَةٍ وَيَدْخُلَ الْحَمَّامَ، فَانْصَرَفَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute