للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَعَا الْمَنْصُورُ عُثْمَانَ بْنَ نَهِيكٍ وَأَرْبَعَةً مِنَ الْحَرَسِ، مِنْهُمْ: شَبِيبُ بْنُ وَاجٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ حَرْبُ بْنُ قَيْسٍ، فَأَمَرَهُمْ بِقَتْلِ أَبِي مُسْلِمٍ إِذَا صَفَّقَ بِيَدَيْهِ، وَتَرَكَهُمْ خَلْفَ الرِّوَاقِ.

وَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ يَسْتَدْعِيهِ، وَكَانَ عِنْدَهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى يَتَغَدَّى، فَدَخَلَ عَلَى الْمَنْصُورِ، فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ: أَخْبِرْنِي عَنْ نَصْلَيْنِ أَصَبْتَهُمَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ. قَالَ: هَذَا أَحَدُهُمَا. قَالَ: أَرِنِيهِ. فَانْتَضَاهُ وَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ، فَوَضَعَهُ الْمَنْصُورُ تَحْتَ فِرَاشِهِ.

وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يُعَاتِبُهُ وَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ كِتَابِكَ إِلَى السَّفَّاحِ تَنْهَاهُ عَنِ الْمَوَاتِ، أَرَدْتَ أَنْ تُعَلِّمَنَا الدِّينَ؟ قَالَ: ظَنَنْتُ أَخْذَهُ لَا يَحِلُّ، فَلَمَّا أَتَانِي كِتَابُهُ عَلِمْتُ أَنَّهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ مَعْدِنُ الْعِلْمِ.

قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ تَقَدُّمِكَ إِيَّايَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ. قَالَ: كَرِهْتُ اجْتِمَاعَنَا عَلَى الْمَاءِ فَيَضُرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ فَتَقَدَّمْتُكَ لِلرِّفْقِ. قَالَ: فَقَوْلُكَ لِمَنْ أَشَارَ عَلَيْكَ بِالِانْصِرَافِ إِلَيَّ بِطَرِيقِ مَكَّةَ حِينَ أَتَاكَ مَوْتُ أَبِي الْعَبَّاسِ إِلَى أَنْ تَقْدَمَ فَنَرَى رَأْيَنَا، وَمَضَيْتَ فَلَا أَنْتَ أَقَمْتَ حَتَّى أَلْحَقَكَ وَلَا أَنْتَ رَجَعْتَ إِلَيَّ! قَالَ: مَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْبَرْتُكَ مِنْ طَلَبِ الرِّفْقِ بِالنَّاسِ، وَقُلْتُ: تَقْدَمُ الْكُوفَةَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنْ خِلَافٍ.

قَالَ: فَجَارِيَةُ عَبْدِ اللَّهِ أَرَدْتَ أَنْ تَتَّخِذَهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي خِفْتُ أَنْ تَضِيعَ فَحَمَلْتُهَا فِي قُبَّةٍ وَوَكَّلْتُ بِهَا مَنْ يَحْفَظُهَا. قَالَ: فَمُرَاغَمَتُكَ وَخُرُوجُكَ إِلَى خُرَاسَانَ؟ قَالَ: خِفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَكَ مِنِّي شَيْءٌ فَقُلْتُ آتِي خُرَاسَانَ، فَأَكْتُبُ إِلَيْكَ بِعُذْرِي، فَأُذْهِبُ مَا فِي نَفْسِكَ.

قَالَ: فَالْمَالُ الَّذِي جَمَعْتَهُ بِخُرَاسَانَ؟ قَالَ: أَنْفَقْتُهُ بِالْجُنْدِ تَقْوِيَةً لَهُمْ وَاسْتِصْلَاحًا. قَالَ: أَلَسْتَ الْكَاتِبَ إِلَيَّ تَبْدَأُ بِنَفْسِكَ، وَتَخْطُبُ عَمَّتِي آمِنَةَ ابْنَةَ عَلِيٍّ، وَتَزْعُمُ أَنَّكَ ابْنُ سَلِيطِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ؟ لَقَدِ ارْتَقَيْتَ، لَا أُمَّ لَكَ، مُرْتَقًى صَعْبًا.

ثُمَّ قَالَ: وَمَا الَّذِي دَعَاكَ إِلَى قَتْلِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ مَعَ أَثَرِهِ فِي دَعْوَتِنَا، وَهُوَ أَحَدُ نُقَبَائِنَا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: أَرَادَ الْخِلَافَ وَعَصَانِي فَقَتَلْتُهُ.

فَلَمَّا طَالَ عِتَابُ الْمَنْصُورِ قَالَ: لَا يُقَالُ هَذَا لِي بَعْدَ بَلَائِي وَمَا كَانَ مِنِّي.

قَالَ: يَابْنَ الْخَبِيثَةِ! وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ أَمَةٌ مَكَانَكَ لَأَجْزَأَتْ، إِنَّمَا عَمِلْتَ فِي دَوْلَتِنَا وَبِرِيحِنَا، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ إِلَيْكَ مَا قَطَعْتَ فَتِيلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>