وَسَمَّاهَا الْأُرْدُنَّ، وَأَنْزَلَ أَهْلَ فِلَسْطِينَ بِشَذُونَةَ وَسَمَّاهَا فِلَسْطِينَ.
وَأَنْزَلَ أَهْلَ مِصْرَ بِتُدْمِيرَ وَسَمَّاهَا مِصْرَ لِشَبَهِهَا بِهَا، ثُمَّ تَعَصَّبَ الْيَمَانِيَّةُ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لَتَأَلُّبِ الصُّمَيْلِ بْنِ حَاتِمٍ عَلَيْهِ مَعَ مُضَرَ وَحَرْبِهِ وَخَلْعِهِ. وَقَامَتْ هَذِهِ الْفِتْنَةُ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ.
وَكَانَ الصُّمَيْلُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ شَمِرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ قَدْ قَدِمَ الْأَنْدَلُسَ فِي أَمْدَادِ الشَّامِ، فَرَأَسَ بِهَا، فَأَرَادَ أَبُو الْخَطَّارِ أَنْ يَضَعَ مِنْهُ فَأَمَرَ بِهِ يَوْمًا وَعِنْدَهُ الْجُنْدُ فَشُتِمَ وَأُهِينَ، فَخَرَجَ وَعِمَامَتُهُ مَائِلَةٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْحُجَّابِ: مَا بَالُ عِمَامَتِكَ مَائِلَةً؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ لِي قَوْمٌ فَسَيُقِيمُونَهَا، وَبَعَثَ إِلَى قَوْمِهِ فَشَكَا إِلَيْهِمْ مَا لَقِيَ.
فَقَالُوا: نَحْنُ لَكَ تَبَعٌ، وَكَتَبُوا إِلَى ثَوَابَةَ بْنِ سَلَامَةَ الْجُذَامِيِّ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ، فَوَفَدَ عَلَيْهِمْ وَأَجَابَهُمْ وَتَبِعَهُمْ لَخْمٌ وَجُذَامٌ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ إِلَى أَبِي الْخَطَّارِ فَسَارَ إِلَيْهِمْ، فَقَاتَلُوهُ فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ وَأُسِرَ أَبُو الْخَطَّارِ، وَدَخَلَ ثَوَابَةُ قَصْرَ قُرْطُبَةَ وَأَبُو الْخَطَّارِ فِي قُيُودِهِ، فَوَلِيَ ثَوَابَةُ الْأَنْدَلُسَ سَنَتَيْنِ ثُمَّ تُوُفِّيَ، فَأَرَادَ أَهْلُ الْيَمَنِ إِعَادَةَ أَبِي الْخَطَّارِ، وَامْتَنَعَتْ مُضَرُ، وَرَأَسَهُمُ الصُّمَيْلُ، فَافْتَرَقَتِ الْكَلِمَةُ، فَأَقَامَتِ الْأَنْدَلُسُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بِغَيْرِ أَمِيرٍ. (وَقَدْ تَقَدَّمَ أَبْسَطَ مِنْ هَذَا سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ.
فَلَمَّا بَقُوا بِغَيْرِ أَمِيرٍ) قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَثِيرٍ اللَّخْمِيَّ لِلْأَحْكَامِ. فَلَمَّا تَفَاقَمَ الْأَمْرُ اتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ الْفِهْرِيِّ، فَوَلِيَهَا يُوسُفُ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ أَنْ يَلِيَ سَنَةً ثُمَّ يَرُدَّ الْأَمْرَ إِلَى الْيَمَنِ فَيُوَلُّوا مَنْ أَحَبُّوا مِنْ قَوْمِهِمْ.
فَلَمَّا انْقَضَتِ السَّنَةُ أَقْبَلَ أَهْلُ الْيَمَنِ بِأَسْرِهِمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُوَلُّوا رَجُلًا مِنْهُمْ، فَبَيَّتَهُمْ الصُّمَيْلُ فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، فَهِيَ وَقْعَةُ شَقُنْدَةَ الْمَشْهُورَةُ، وَفِيهَا قُتِلَ أَبُو الْخَطَّارِ وَاقْتَتَلُوا بِالرِّمَاحِ حَتَّى تَقَطَّعَتْ وَبِالسُّيُوفِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ، ثُمَّ تَجَاذَبُوا بِالشُّعُورِ، وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى يُوسُفَ وَلَمْ يَعْتَرِضْهُ أَحَدٌ.
(وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ) .
ثُمَّ تَوَالَى الْقَحْطُ عَلَى الْأَنْدَلُسِ، وَجَلَا أَهْلُهَا عَنْهَا وَتَضَعْضَعَتْ إِلَى سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَفِيهَا اجْتَمَعَ تَمِيمُ بْنُ مَعْبَدٍ الْفِهْرِيُّ، وَعَامِرٌ الْعَبْدَرِيُّ بِمَدِينَةِ سَرَقُسْطَةَ، وَحَارَبَهُمَا الصُّمَيْلُ، ثُمَّ سَارَ إِلَيْهِمَا يُوسُفُ الْفِهْرِيُّ فَحَارَبَهُمَا فَقَتَلَهُمَا، وَبَقِيَ يُوسُفُ عَلَى الْأَنْدَلُسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute