الْمَنْصُورُ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ خَرَجَ بِالْمَدِينَةِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَلَكَ وَأَهْلَكَ، خَرَجَ فِي غَيْرِ عُدَدٍ وَلَا رِجَالٍ.
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَعْدَةَ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ: كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ يَوْمَ الزَّابِ وَاقِفًا، فَقَالَ لِي مَرْوَانُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يُقَاتِلُنِي؟ قُلْتُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: وَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يُقَاتِلُنِي مَكَانَهُ، إِنَّ عَلِيًّا وَوَلَدَهُ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي هَذَا الْأَمْرِ، وَهَلْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ مَعَهُ رِيحُ الشَّامِ وَنَصْرُ الشَّامِ؟ يَا ابْنَ جَعْدَةَ أَتَدْرِي مَا حَمَلَنِي أَنْ عَقَدْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بَعْدِي وَتَرَكْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ؟ قَالَ ابْنُ جَعْدَةَ: لَا. قَالَ: وَجَدْتُ الَّذِي يَلِي هَذَا الْأَمْرَ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ، وَكَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَقْرَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَعَقَدْتُ لَهُ، فَاسْتَخْلَفَهُ الْمَنْصُورُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ، فَحَلَفَ لَهُ، فَسُرِّيَ عَنْهُ.
وَلَمَّا بَلَغَ الْمَنْصُورَ خَبَرُ ظُهُورِ مُحَمَّدٍ قَالَ لِأَبِي أَيُّوبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ: هَلْ مِنْ رَجُلٍ تَعْرِفَانِهِ بِالرَّأْيِ يَجْمَعُ رَأْيَهُ إِلَى رَأْيِنَا؟ قَالَا: بِالْكُوفَةِ بُدَيْلُ بْنُ يَحْيَى، وَكَانَ السَّفَّاحُ يُشَاوِرُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ ظَهَرَ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: فَاشْحَنِ الْأَهْوَازَ بِالْجُنُودِ. قَالَ: إِنَّهُ ظَهَرَ بِالْمَدِينَةِ! قَالَ: قَدْ فَهِمْتُ وَإِنَّمَا الْأَهْوَازُ الْبَابُ الَّذِي تُؤْتَوْنَ مِنْهُ. فَلَمَّا ظَهَرَ إِبْرَاهِيمُ بِالْبَصْرَةِ قَالَ لَهُ الْمَنْصُورُ ذَلِكَ، قَالَ: فَعَاجِلْهُ بِالْجُنُودِ وَاشْغَلِ الْأَهْوَازَ عَلَيْهِ.
وَشَاوَرَ الْمَنْصُورُ أَيْضًا جَعْفَرَ بْنَ حَنْظَلَةَ الْبَهْرَانِيَّ عِنْدَ ظُهُورِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: وَجِّهِ الْجُنُودَ إِلَى الْبَصْرَةِ. قَالَ: انْصَرِفْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكَ. فَلَمَّا صَارَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْبَصْرَةِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي خِفْتُ بَادِرَةَ الْجُنُودِ. قَالَ: وَكَيْفَ خِفْتَ الْبَصْرَةَ؟ قَالَ: لِأَنَّ مُحَمَّدًا ظَهَرَ بِالْمَدِينَةِ وَلَيْسُوا أَهْلَ الْحَرْبِ، بِحَسْبِهِمْ أَنْ يُقِيمُوا شَأْنَ أَنْفُسِهِمْ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ تَحْتَ قَدَمِكَ، وَأَهْلُ الشَّامِ أَعْدَاءُ آلِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْبَصْرَةُ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَنْصُورَ كَتَبَ إِلَى مُحَمَّدٍ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] الْآيَتَيْنِ، وَلَكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ أَنْ أُؤَمِّنَكَ، وَجَمِيعَ وَلَدِكِ، وَإِخْوَتَكَ، وَأَهْلَ بَيْتِكِ وَمَنِ اتَّبَعَكُمْ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَأُسَوِّغُكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute