للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأُمَّهَاتِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ حَتَّى اخْتَارَ لِي فِي الْأَشْرَارِ، (فَأَنَا ابْنُ أَرْفَعِ النَّاسِ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ، وَأَهْوَنِهِمْ عَذَابًا فِي النَّارِ) ، وَلَكَ اللَّهُ عَلَيَّ إِنْ دَخَلْتَ فِي طَاعَتِي وَأَجَبْتَ دَعْوَتِي أَنْ أُؤَمِّنَكَ عَلَى نَفْسِكَ وَمَالِكَ وَعَلَى كُلِّ أَمْرٍ أَحْدَثْتَهُ إِلَّا حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ أَوْ حَقًّا لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهِدٍ، فَقَدْ عَلِمْتَ مَا يَلْزَمُنِي مِنْ ذَلِكَ.

وَأَنَا أَوْلَى بِالْأَمْرِ مِنْكَ وَأَوْفَى بِالْعَهْدِ، لِأَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْأَمَانِ وَالْعَهْدِ مَا أَعْطَيْتَهُ رِجَالًا قَبْلِي، فَأَيُّ الْأَمَانَاتِ تُعْطِينِي؟ أَمَانُ ابْنِ هُبَيْرَةَ، أَمْ أَمَانُ عَمِّكَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ، أَمْ أَمَانُ أَبِي مُسْلِمٍ؟

فَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُهُ عَلَى الْمَنْصُورِ قَالَ لَهُ أَبُو أَيُّوبَ الْمُورِيَانِيُّ: دَعْنِي أُجِبْهُ عَلَيْهِ. قَالَ: لَا إِذَا تَقَارَعْنَا عَلَى الْأَحْسَابِ، فَدَعْنِي وَإِيَّاهُ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ الْمَنْصُورُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي كَلَامُكَ وَقَرَأْتُ كِتَابَكَ، فَإِذَا جُلُّ فَخْرِكَ بِقَرَابَةِ النِّسَاءِ لِتُضِلَّ بِهِ الْجُفَاةَ وَالْغَوْغَاءَ، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ النِّسَاءَ كَالْعُمُومَةِ وَالْآبَاءِ، وَلَا كَالْعَصَبَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْعَمَّ أَبًا، وَبَدَأَ بِهِ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْوَالِدَةِ الدُّنْيَا، وَلَوْ كَانَ اخْتِيَارُ اللَّهِ لَهُنَّ عَلَى قَدْرِ قَرَابَتِهِنَّ كَانَتْ آمِنَةُ أَقْرَبَهُنَّ رَحِمًا، وَأَعْظَمَهُنَّ حَقًّا، وَأَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، [غَدًا] وَلَكِنَّ اخْتِيَارَ اللَّهِ لِخَلْقِهِ عَلَى عِلْمِهِ فِيمَا مَضَى مِنْهُمْ وَاصْطِفَائِهِ لَهُمْ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ فَاطِمَةَ أُمِّ أَبِي طَالِبٍ وَوِلَادَتِهَا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْزُقْ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهَا الْإِسْلَامَ لَا بِنْتًا وَلَا ابْنًا، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رُزِقَ الْإِسْلَامَ بِالْقَرَابَةِ رُزِقَهُ عَبْدُ اللَّهِ وَلَكَانَ أَوْلَاهُمْ بِكُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ لِلَّهِ يَخْتَارُ لِدِينِهِ مَنْ يَشَاءُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>