وَحَمَلُوهُمْ بِلَا وِطَاءٍ فِي الْمَحَامِلِ كَالسَّبْيِ الْمَجْلُوبِ إِلَى الشَّامِ.
حَتَّى خَرَجْنَا عَلَيْهِمْ فَطَلَبْنَا بِثَأْرِكُمْ، وَأَدْرَكْنَا بِدِمَائِكُمْ، وَأَوْرَثْنَاكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ، وَسَنَّيْنَا سَلَفَكُمْ وَفَضَّلْنَاهُ، فَاتَّخَذْتَ ذَلِكَ عَلَيْنَا حُجَّةً، وَظَنَنْتَ أَنَّا إِنَّمَا ذَكَرْنَا أَبَاكَ لِلتَّقْدِمَةِ مِنَّا لَهُ عَلَى حَمْزَةَ وَالْعَبَّاسِ وَجَعْفَرٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا ظَنَنْتَ، وَلَكِنْ خَرَجَ هَؤُلَاءِ مِنَ الدُّنْيَا سَالِمِينَ مُتَسَلَّمًا مِنْهُمْ، مُجْتَمَعًا عَلَيْهِمْ بِالْفَضْلِ، وَابْتُلِيَ أَبُوكَ بِالْقِتَالِ وَالْحَرْبِ، وَكَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ تَلْعَنُهُ كَمَا تَلْعَنُ الْكَفَرَةَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، فَاحْتَجَجْنَا [لَهُ] وَذَكَّرْنَاهُمْ فَضْلَهُ وَعَنَّفْنَاهُمْ وَظَلَمْنَاهُمْ بِمَا نَالُوا مِنْهُ.
فَلَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَكْرُمَتَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ سِقَايَةُ الْحَاجِّ الْأَعْظَمِ، وَوِلَايَةُ زَمْزَمَ، فَصَارَتْ لِلْعَبَّاسِ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ، فَنَازَعَنَا فِيهَا أَبُوكَ فَقَضَى لَنَا عَلَيْهِ عُمَرُ، فَلَمْ نَزَلْ نَلِيهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَلَقَدْ قَحَطَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَلَمْ يَتَوَسَّلْ عُمَرُ إِلَى رَبِّهِ وَلَمْ يَتَقَرَّبْ إِلَيْهِ إِلَّا بِأَبِينَا حَتَّى نَعَشَهُمُ اللَّهُ، وَسَقَاهُمُ الْغَيْثَ وَأَبُوكَ حَاضِرٌ لَمْ يُتَوَسَّلْ بِهِ، وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُهُ فَكَانَتْ وِرَاثَةٌ مِنْ عُمُومَتِهِ، ثُمَّ طَلَبَ هَذَا الْأَمْرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَمْ يَنَلْهُ إِلَّا وَلَدُهُ، فَالسِّقَايَةُ سِقَايَتُهُ، وَمِيرَاثُ النَّبِيِّ لَهُ، وَالْخِلَافَةُ فِي وَلَدِهِ، فَلَمْ يَبْقَ شَرَفٌ وَلَا فَضْلٌ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا وَالْعَبَّاسُ وَارِثُهُ مُوَرِّثُهُ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ بَدْرٍ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ جَاءَ وَالْعَبَّاسُ يُمَوِّنُ أَبَا طَالِبٍ وَعِيَالَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ لِلْأَزْمَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُ، وَلَوْلَا أَنَّ الْعَبَّاسَ أُخْرِجَ إِلَى بَدْرٍ كَارِهًا لَمَاتَ طَالِبٌ وَعَقِيلٌ جُوعًا، وَلَلَحَسَا جِفَانَ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُطْعِمِينَ فَأَذْهَبَ عَنْكُمُ الْعَارَ وَالسُّبَّةَ وَكَفَاكُمُ النَّفَقَةَ وَالْمَئُونَةَ، ثُمَّ فَدَى عَقِيلًا يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَيْفَ تَفْخَرُ عَلَيْنَا وَقَدْ عُلْنَاكُمْ فِي الْكُفْرِ وَفَدَيْنَاكُمْ [مِنَ الْأَسْرِ] وَحُزْنَا عَلَيْكُمْ مَكَارِمَ الْآبَاءِ، وَوَرِثْنَا دُونَكُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute