خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ، وَطَلَبْنَا بِثَأْرِكُمْ فَأَدْرَكْنَا مِنْهُ مَا عَجَزْتُمْ عَنْهُ، وَلَمْ تُدْرِكُوا لِأَنْفُسِكُمْ! وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.
فَكَانَ مُحَمَّدٌ قَدِ اسْتَعْمَلَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى مَكَّةَ، وَالْقَاسِمَ بْنَ إِسْحَاقَ عَلَى الْيَمَنِ، وَمُوسَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الشَّامِ، فَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْقَاسِمُ فَسَارَا إِلَى مَكَّةَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا السَّرِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَامِلُ الْمَنْصُورِ عَلَى مَكَّةَ فَلَقِيَهُمَا بِبَطْنِ أَذَاخِرَ فَهَزَمَاهُ.
وَدَخَلَ مُحَمَّدٌ مَكَّةَ وَأَقَامَ بِهَا يَسِيرًا، فَأَتَاهُ كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ فِيمَنْ مَعَهُ وَيُخْبِرُهُ بِمَسِيرِ عِيسَى بْنِ مُوسَى إِلَيْهِ لِيُحَارِبَهُ، فَسَارَ إِلَيْهِ مِنْ مَكَّةَ هُوَ وَالْقَاسِمُ، فَبَلَغَهُ بِنَوَاحِي قُدَيْدٍ قَتْلُ مُحَمَّدٍ، فَهَرَبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَتَفَرَّقُوا.
فَلَحِقَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِبْرَاهِيمَ فَأَقَامَ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ إِبْرَاهِيمُ، وَاخْتَفَى الْقَاسِمُ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى أَخَذَتْ لَهُ ابْنَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ - امْرَأَةُ عِيسَى - الْأَمَانَ لَهُ وَلِإِخْوَتِهِ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَسَارَ نَحْوَ الشَّامِ وَمَعَهُ رِزَامٌ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْقَسْرِيِّ، فَانْسَلَّ مِنْهُ رِزَامٌ وَسَارَ إِلَى الْمَنْصُورِ بِرِسَالَةٍ مِنْ مَوْلَاهُ مُحَمَّدٍ الْقَسْرِيِّ، فَظَهَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، فَحَبَسَ مُحَمَّدًا الْقَسْرِيَّ، وَوَصَلَ مُوسَى إِلَى الشَّامِ فَرَأَى مِنْهُمْ سُوءَ رَدٍّ عَلَيْهِ وَغِلْظَةً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَقِيتُ الشَّامَ وَأَهْلَهُ، فَكَانَ أَحْسَنَهُمْ قَوْلًا الَّذِي قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ مَلِلْنَا الْبَلَاءَ وَضِقْنَا حَتَّى مَا فِينَا لِهَذَا الْأَمْرِ مَوْضِعٌ وَلَا بِنَا بِهِ حَاجَةٌ، وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ تَحْلِفُ لَئِنْ أَصْبَحْنَا مِنْ لَيْلَتِنَا وَأَمْسَيْنَا مِنْ غَدٍ لَيُرْفَعَنَّ أَمْرُنَا، فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ وَقَدْ غَيَّبْتُ وَجْهِي، وَخِفْتُ عَلَى نَفْسِي. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَقِيلَ: أَتَى الْبَصْرَةَ وَأَرْسَلَ صَاحِبًا لَهُ يَشْتَرِي لَهُ طَعَامًا، فَاشْتَرَاهُ وَجَاءَ بِهِ عَلَى حَمَّالٍ أَسْوَدَ فَأَدْخَلَهُ الدَّارَ الَّتِي سَكَنَهَا وَخَرَجَ، فَلَمْ يَكُنْ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ كُبِسَتِ الدَّارُ وَأُخِذَ مُوسَى وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَغُلَامُهُ، فَأُخِذُوا وَحُمِلُوا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ.
فَلَمَّا رَأَى مُوسَى قَالَ: لَا قَرَّبَ اللَّهُ قَرَابَتَكُمْ، وَلَا حَيَّا وُجُوهَكُمْ! تَرَكْتَ الْبِلَادَ كُلَّهَا إِلَّا بَلَدًا أَنَا فِيهِ، فَإِنْ وَصَلْتُ أَرْحَامَكُمْ أَغْضَبْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ أَطَعْتُهُ قَطَعْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute