للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ حَرْبٍ الْكِنْدِيُّ بِمَدِينَةِ تُونُسَ، وَكَاتَبَ الْجُنْدَ وَدَعَاهُمْ إِلَى نَفْسِهِ، فَأَجَابُوهُ، فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ الْقَيْرَوَانَ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ.

وَبَلَغَ الْأَغْلَبَ الْخَبَرُ فَعَادَ مُجِدًّا، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَيْسَ مِنَ الرَّأْيِ (أَنْ تَعْدِلَ [إِلَى] لِقَاءِ الْعَدُوِّ فِي هَذِهِ الْعُدَّةِ الْقَلِيلَةِ، وَلَكِنَّ الرَّأْيَ أَنْ تَعَدِلَ إِلَى قَابِسَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مَنْ مَعَهُ يَجِيءُ إِلَيْكَ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا كَرِهُوا الْمَسِيرَ إِلَى طَنْجَةَ لَا غَيْرُ وَتَقْوَى بِهِمْ وَتُقَاتِلُ عَدُوَّكَ.

فَفَعَلَ ذَلِكَ وَكَثُرَ جَمْعُهُ وَسَارَ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ حَرْبٍ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ الْحَسَنُ وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَمَضَى الْحَسَنُ إِلَى تُونُسَ (فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ) ، وَدَخَلَ الْأَغْلَبُ الْقَيْرَوَانَ.

وَحَشَدَ الْحَسَنُ وَجَمَعَ فَصَارَ فِي عُدَّةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَصَدَ الْأَغْلَبَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ الْأَغْلَبُ مِنَ الْقَيْرَوَانِ، فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا، فَأَصَابَ الْأَغْلَبَ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ، وَثَبَتَ أَصْحَابُهُ، (فَتَقَدَّمَ عَلَيْهِمُ الْمُخَارِقُ بْنُ غِفَارٍ، فَحَمَلَ الْمُخَارِقُ عَلَى الْحَسَنِ، وَكَانَ فِي مَيْمَنَةِ الْأَغْلَبِ، فَهَزَمَهُ، فَمَضَى مُنْهَزِمًا إِلَى تُونُسَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ.

وَوَلِيَ الْمُخَارِقُ إِفْرِيقِيَّةَ فِي رَمَضَانَ، وَوَجَّهَ الْخَيْلَ فِي طَلَبِ الْحَسَنِ، فَهَرَبَ الْحَسَنُ مِنْ تُونُسَ إِلَى كِنَايَهْ فَأَقَامَ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى تُونُسَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ مَنْ بِهَا مِنَ الْجُنْدِ فَقَتَلُوهُ.

(وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْحَسَنَ قُتِلَ بَعْدَ قَتْلِ الْأَغْلَبِ، لِأَنَّ أَصْحَابَ الْأَغْلَبِ ثَبَتُوا بَعْدَ قَتْلِهِ) فِي الْمَعْرَكَةِ، فَقُتِلَ الْحَسَنُ بْنُ حَرْبٍ أَيْضًا، وَوَلَّى أَصْحَابُهُ مُنْهَزِمِينَ وَصُلِبَ الْحَسَنُ، وَدُفِنَ الْأَغْلَبُ وَسُمِّيَ الشَّهِيدَ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ.

ذِكْرُ الْفِتَنِ بِالْأَنْدَلُسِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ سَعِيدٌ الْيَحْصُبِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْمَطَرِيِّ بِالْأَنْدَلُسِ بِمَدِينَةِ لِبْلَةَ.

وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ سَكِرَ يَوْمًا، فَتَذَكَّرَ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ الْيَمَانِيَّةِ مَعَ الْعَلَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، فَعَقَدَ لِوَاءً، فَلَمَّا صَحَا رَآهُ مَعْقُودًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ بِهِ، فَأَرَادَ حَلَّهُ ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتُ لَأَعْقِدَ لِوَاءً ثُمَّ أَحُلَّهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ! وَشَرَعَ فِي الْخِلَافِ، فَاجْتَمَعَتِ الْيَمَانِيَّةُ إِلَيْهِ وَقَصَدَ إِشْبِيلِيَّةَ وَتَغَلَّبَ عَلَيْهَا وَكَثُرَ جَمْعُهُ.

فَبَادَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ الْأَنْدَلُسِ فِي جُمُوعِهِ، فَامْتَنَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>