للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْطَى مِنْهُ لِلْمَالِ، وَكَانَ لَا يَضِيعُ عِنْدَهُ إِحْسَانُ مُحْسِنٍ، وَلَا يُؤَخِّرُ ذَلِكَ.

وَكَانَ يُحِبُّ الشِّعْرَ وَالشُّعَرَاءَ، وَيَمِيلُ إِلَى أَهْلِ الْأَدَبِ وَالْفِقْهِ، وَيَكْرَهُ الْمِرَاءَ فِي الدِّينِ، وَكَانَ يُحِبُّ الْمَدِيحَ، لَا سِيَّمَا مِنْ شَاعِرٍ فَصِيحٍ، وَيُجْزِلُ الْعَطَاءَ عَلَيْهِ.

وَلَمَّا مَدَحَهُ مَرْوَانُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي مِنْهَا:

وَسُدَّتْ بِهَارُونَ الثُّغُورُ فَأُحْكِمَتْ ... بِهِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ الْمَرَائِرُ

أَعْطَاهُ خَمْسَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَخُلْعَةً، وَعَشَرَةً مِنَ الرَّقِيقِ الرُّومِيِّ، وَحَمَلَهُ عَلَى بِرْذَوْنٍ مِنْ خَاصِّ مَرْكَبِهِ.

وَقِيلَ: كَانَ مَعَ الرَّشِيدِ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمَدِينِيُّ، وَكَانَ مِضْحَاكًا فَكِهًا، يَعْرِفُ أَخْبَارَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَلْقَابَ الْأَشْرَافِ، وَمَكَايِدَ الْمُجَّانِ، فَكَانَ الرَّشِيدُ لَا يَصْبِرُ عَنْهُ، وَأَسْكَنَهُ فِي قَصْرِهِ، فَجَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ نَائِمٌ، فَقَامَ الرَّشِيدُ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَكَشَفَ اللِّحَافَ عَنْهُ وَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ فَقَالَ: مَا أَصْبَحْتُ بَعْدُ، اذْهَبْ إِلَى عَمَلِكَ. قَالَ: قُمْ إِلَى الصَّلَاةِ! قَالَ: هَذَا وَقْتُ صَلَاةِ أَبِي الْجَارُودِ، وَأَنَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ. فَمَضَى الرَّشِيدُ يُصَلِّي، وَقَامَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَأَتَى الرَّشِيدَ، فَرَآهُ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس: ٢٢] فَقَالَ: مَا أَدْرِي وَاللَّهِ! فَمَا تَمَالَكَ الرَّشِيدُ أَنْ ضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ وَهُوَ مُغْضَبٌ: فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا؟ ! [قَالَ: يَا هَذَا وَ] مَا صَنَعْتُ؟ قَالَ: قَطَعْتَ عَلَيَّ صَلَاتِي. قَالَ: وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ، إِنَّمَا سَمِعْتُ مِنْكَ كَلَامًا غَمَّنِي حِينَ قُلْتَ: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس: ٢٢] فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي! فَعَادَ الرَّشِيدُ فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِيَّاكَ وَالْقُرْآنَ وَالدِّينَ، وَلَكَ مَا شِئْتَ بَعْدَهُمَا.

وَقِيلَ: اسْتَعْمَلَ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ رَجُلًا عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِ الْخَرَاجِ، فَدَخَلَ عَلَى الرَّشِيدِ يُوَدِّعُهُ وَعِنْدَهُ يَحْيَى وَجَعْفَرٌ، فَقَالَ لَهُمَا الرَّشِيدُ: أَوْصِيَاهُ! فَقَالَ يَحْيَى: وَفِّرْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>